غير قليل، فينبغي أن يكون ما قبلوه بالغا في الصحة كل مبلغ، جديرا أن تتلقاه العقول بالطمأنينة والقبول.
فالرجحان هو اقل ما يمكن أن يوصف به ما صححه أولئك العلماء الأعلام المدققون. أي أن ما وصوه بالضنى والراجح هو في الواقع فوق ذلك بكثير، ولكنهم وصفوه بأقل ما يمكن أن يوصف به، لأن العقل لا يقطع بغير هذا. أي إن الأحاديث الصحيحة عند العقل هي قطيعة الرجحان. وما كان قطعي الرجحان هكذا في الثبوت عن الرسول فأي حكمة يا ترى هناك في القول بتنقيحه؟ أفمن الممكن إنزاله عن مرتبة الراجح مع أن رجحانه مقطوع به؟ أم من الممكن إعلاؤه عن مرتبة الراجح إلى مرتبة اليقيني؟ ليس هذا ولا ذاك ممكنا عند العقل اليوم، وإذا فلا محل هناك للقول بتنقيح صحيح حديث رسول الله صلوات الله عليه.
ويجب ألا يغرب عن البال، أن الأحاديث الصحيحة وان وصفت بأنها راجحة الثبوت عن النبي عليه الصلاة والسلام فإن الإجماع منعقد على العمل بها في الدين: أجمع على ذلك الصحابة رضوان الله عليهم، واجمع على ذلك العلماء عصرا بعد عصر إلى عصرنا هذا. فمن يحدث نفسه يترك حديث صحيح لمجرد أنه لا يفهمه أو أنه يستغرب معناه يعرض نفسه للخروج على إجماع المسلمين ويعرضها الخروج على الإجماع لما في ذلك من خطر حقيقي عليه، لا عند الناس ولكن عند الله:
(ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى وينبع غير نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا). فالإجماع واجب الأتباع بالكتاب بهذه الآية على الأقل، ولسنة بعدة أحاديث. على أن كل إنسان في ذات نفسه في قبول ما يقبل أو رفض ما يرفض، فإن ذلك متعلق بقلبه وبعمله هو. هو أمر بينه وبين الله، بل ونرجى له النجاة ما صدق النية لله في ذلك. لكنه إذا بدا يدعو غيره لي ما يشبه أن يكون خروجا على إجماع المسلمين، فإنه عندئذ يعرض نفسه لأخطار لا يقدم على التعرض لها عاقل من الناس.