التي تكون الإمبراطورية البريطانية الجديدة، إذن فكانت بريطانيا هي المعتدية الغاصبة الظالمة. وكان الشرق الإسلامي هو المعتدى عليه.
ثم كانت بريطانيا هي التي ولدت المشاكل للشعوب الإسلامية وخلقت لها أزمات طريفة، فهي صاحبة الوحي وصاحبة الفكرة في دولة إسرائيل الجاثمة على صدر العالم العربي. وهي التي أبرزتها من العدم إلى الوجود، ومن التمنيات إلى عالم الواقع، وهي المسئولة عن جلاء العرب وضياع فلسطين العربية وشقاء أهلها والخطر الذي يهدد الحكومات العربية كلها.
ثم فاقت بريطانيا الحكومات المستعمرة كلها في النفاق والتزوير وأخلاق الثعالب والمكر والدهاء ونكران الجميل ونسيان الوعود، ونقض العهود، قد أثبت تاريخها أنه لا أيمان لها. . وأنها لا ترقب من مؤمن إلا ولا ذمة.
إن في تاريخ بريطانيا السياسي صفحات سوداء، لعلها لا توجد في تاريخ دولة مستعمرة أخرى، مع أن الاستعمار كله صحيفة سوداء. . فإذا اقتصرنا على تاريخ الاستعمار البريطاني في الهند وجدنا فظائع لا تزال وصمة عار في وجه الحكم الإنجليزي. ففي ١٣ من إبريل عام ١٩١٩م انعقدت - أيام حركة الاستقلال الوطنية في الهند - حفلة شعبية عظيمة في (جليان والاباغ) في مدينة أمرتسر حضرها عشرون ألفا من الجماهير، وكانت الحديقة التي احتفل الناس فيها محاطة بالأسوار من جوانبها الأربعة، وليس لها إلا منفذ واحد تخرج منه عربة واحدة، وحضر الجزار الإنجليزي المعروف بالجنرال (دائر) ومعه مائة وخمسون (١٥٠) جنديا، فأمر المحتفلين بالانفضاض وبعد دقيقتين - كما جاء في تقريره - أمر بإطلاق النار على هذا الجمع الحاشد الوديع، وأطلقت عليه ألف وستمائة طلقة (١٦٠٠) مات منها - كما جاء في التقرير الرسمي - أربعمائة رجل مع أنه غير معقول ومخالف للبداهة أن يموت أربعمائة فقط بطلقات نارية يبلغ عددها إلى ألف وستمائة طلقة في مكان ضيق محصور على هذا الجمع الحاشد. أما عدد الجرحى فيتراوح كما قالت المصادر الرسمية بين ألف وألفين، وبات القتلى والجرحى طول الليل من غير ماء ولا إسعاف طبي.
وفي سنة ١٩٤٣م كانت مجاعة بنغال الكبرى التي خلقتها الحكومة الإنجليزية في الهند