للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحدثت الثورة وظهر الكتاب (آن لهذا الشعب أن يفهم)؛ هذه في شهر يوليو سنة ٥٢، وهذا في شهر سبتمبر سنة ٥٢، ولكن تأليفه كما تقدم يسبق صدوره بكثير.

وليس الكتاب تاريخاً للثورة ولا شرحاً لمبادئها؛ ولكنه صورة منها. هو انفعالات قوية في اتزن. ثائرة ثورة العقل المقتنع لا الشعور الصاخب.

لم ينسج على منوال الكتب التاريخية ولا الأدبية. ولكن المنطق الذي يسوده منطق الثورة، منطق هذه الثورة بالذات لا أية ثورة اخرى؛ ففيه حكمتها ورصانتها، فيه صفوة التجاريب التي أنضجت مصر في ألوف السنين.

تترسم في خطى النهضة في محاولتها الفرار من محبس الكبت، بادئة بالمظهر العسكري في عهد محمد علي، ثم بالمظهر الأدبي من خطابة وكتابة، ثم بالمظهر القانوني من جدل ونقاش ومفاوضة إلى أن تتبلور فتجمع كل الخصائص والمزايا، وتتحرر من كل وجوه القص، فتقذف بالحواجز التي رقت وشقت ثم تدفعت فتهاوت.

في أسلوب السيد عبد المغني كما في أسلوب النهضة، اثر من تلك الاساليب؛ غير أنه كالنهضة سيد لما يستخدمه من وسائل التعبير.

ليست عسكريته وسيلة عامة لغاية خاصة. وليست لهجة استنهاضه دعاية للنوم في أجفان طفل يراد إيقاظه. وليست قانونيته مغالطة يقصد بها إخضاع الحق لمنطق تشريعي.

ولكن عسكريته صراحة، ودعوته الوطنية فكرية تذاوبت فيها العاطفة، فهي إقناع يجر الإرادة لا وخز يهيج الشعور. وليست قانونيته جدلا ولكنها حكم.

(آن لهذا الشعب أن يفهم) والذي آن له أن يفهمه هو ما احتواه الكتاب من صورة للثورة يحدد اهدافها، لا مشيرا إليها عن بعد ولكنها متجها نحوها.

فلمن شاء أن ينتقل إلى أهداف الثورة أن يقرأ هذا الكتاب ليخلص من اثر الماضي عليه من جدل لا يراد به الإقناع، واهتياج لا يراد به الاستقرار، واضطراب لا يقصد به إلى الهدوء هو ثورة ولكنها منطقية، وهو منطق ولكنه ثائر.

احمد عوض

مستقبل الإسلام

<<  <  ج:
ص:  >  >>