واشتغل العرب في البادية بالتجارة ينقلونها بين الشرق والغرب، فامتلأت لغتهم بمصطلحات التجارة بعضها عربي وبعضها منقول عن الأمم التي بادلوها التجارة، وامتلأ أدبهمبالتشبيهات المنتزعة من أحوال التجارة: فالقرآن الكريم يكرر في غير موضع تشبيه الخير والشر بالنجدين، وذكر الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم؛ وعنترة يقول:
حصاني كان دلال المنايا ... فخاض غمارها وشرى وباعا
وبثت حياة البادية في العرب صفات الحمية والشجاعة والحرية والأنفة أن يدينوا لملك، وظهر أثر كل ذلك جلياً في أدبهم؛ وأشهر أمثلة ذلك معلقة عمرو بن كلثوم، فهي ديوان العرب في الحماسة؛ وأدى إباؤهم ودوام انتجاعهم الكلأ إلى استمرار المناوشات والوقائع بين قبائلهم، وانعكس ذلك في مفاخراتهم ومنافراتهم نثراً وشعراً.
وهذه الصفات الشماء التي تلزم حياة التبدي جعلت العرب ينظرون شزراً إلى الزراعة والصناعة اللتين لم يكن لهما مجال في البادية، ويحتقرون الزراع والصناع الذين تسترقهم الأرض وتستعبدهم المادة، ولا يرون الشرف والعزة إلى في رعي الإبل والتجارة والقتال. فالأخطل يعيّر بني النجار بمساحيهم، وآخر يفاخر غريمه فيقول:
لحا الله أَلاْمَنَا نسبا - وأجدرنا أن ينفخ الكيرَ خاله - يصوغ الشنوف والقروط بيثربا
والحق أن الشعر الجاهلي مهما يكن قد داخله من تزييف يمثل الجانب الاجتماعي من حياة العرب في الجاهلية تمثيلاً رائعاً؛ ولا يمكن تصور حالة العرب في ذلك العهد إلا على ما وصِفت في أشعار طرفة ومهلهل وأمثالهما.
أما مناظر البادية الطبيعية المتشابهة الشديدة الوطأة، فيبدو أنها لم تُشرب العرب من حب الطبيعة مقدار ما بثت في نفوسهم من رهبتها والحرص على اتقائها، ولم تلهمهم من أشعارٍ في وصف محاسنها قدر ما أوحت إليهم من أشعار في التأمل في أحوالها والاستعبار والخشوع، فلا غرو لم تخرج الصحراء شعراء طبيعيين يصفون محاسن المناظر، كتلك التي تحفل بها الإلياذة والأوديسة، وإنما أخرجت أنبياء وحكماء في شتى عصورها.
وتحضّر الشعب الإنجليزي في جزيرة تحيط بها البحار، وتجري فيها الأنهار، وتتخللها