ونحن نعرف أن حوادث الحرب الأسبانية، ووسائلها المخربة، ومناظرها المؤسية، كانت مثار الروع والأسى في جميع الأمم المتمدنة، ونعرف أن حكومات بعض الدول العظمى قد فكرت في أن تقوم بالسعي في سبيل تخفيف ويلات هذه الحرب الأهلية الطاحنة، وحمل الفريقين المتحاربين على اتباع القواعد الإنسانية، وربما بذلت بعض النصح في هذا السبيل؛ ولا ريب أن تحطم الآثار والذخائر الفنية لا يقل شناعة عن سفك الدماء ذاته، ومن أقدس واجبات الجيوش المتمدنة أن تحرص على قدسية هذا التراث الفني وصونه من كل اعتداء.
هذا ويجدر بالهيئات العلمية والثقافية في الأمم العربية والإسلامية أن تتخذ الخطوة الأولى في هذا السبيل، فتبث إلى حكوماتها المختلفة ما يساورها على مصير الآثار الأندلسية من جزع، وترجوها أن ترفع صوتها الرسمي بالدعوة إلى حمايته، وأن تبذل في ذلك السبيل ما استطاعت من السعي الودي؛ وفي وسع هذه الهيئات العلمية والثقافية أيضاً أن تذيع دعوتها في الصحافة الدولية، فللصحافة الدولية صوت مسموع، وفي وسعها أن تقوم بدور في هذا الشأن، وهي ما زالت تنوه بشناعة الإجراءات والوسائل المخربة التي ترتكب خلال الحرب الأسبانية؛ وقد لفتت نظرها فظائع موقعة القصر الأخيرة، وما أصاب القصر من حرق وتخريب، فأخذت تنوه بهذه الخسارة الأثرية وبالخطر الداهم الذي يهدد تراث أسبانيا الأثري والفني من جراء هذه الحوادث؛ وعلى أثر ذلك ارتفع صوت مندوب بوليفيا في أرجاء عصبة الأمم بمثل هذا النذير.
وهانحن أولاء نردد هذا النذير بدورنا؛ ونحن على يقين من أنه سيحدث صداه وأثره في جميع الهيئات العلمية والثقافية في الأمم العربية والإسلامية؛ وإذا كانت بوليفيا، تلك الجمهورية النائية في أعماق أمريكا الجنوبية قد حفزتها البواعث التاريخية والإنسانية على أن توحي لمندوبها أن يلقي نداءه أمام عصبة الأمم، فأولى وأجدر بالأمم الإسلامية أن تلبي داعي الواجب والمساهمة في هذا المسعى الكريم الذي يبذل صوناً لتراث الإسلام في أسبانيا.