الأسكوريال، وأخفيت بعناية عن نظر كل باحث ومتطلع؛ وكان عددها حتى أواسط القرن السابع عشر يبلغ نحو عشرة آلاف مجلد؛ ولكن محنة جديدة أصابت هذه البقية الباقية من تراث الأندلس، ففي سنة ١٦٧١ شبت النار في الأسكوريال والتهمت معظم هذا الكنز الفريد، ولم ينقذ منه سوى ألفين، هي التي عهدت الحكومة الأسبانية في منتصف القرن الثامن عشر إلى العلامة اللبناني ميشيل الغزيري ببحثها وتصنيفها في فهرسة الجامع، وهي التي بقيت إلى يومنا من تراث الأندلس.
هذا عن تراث الأندلس الفكري. أما عن الآثار المادية، فقد حولت جميع المساجد الجامعة إلى كنائس، وتناولتها يد التدمير بالهدم والتحوير، وضحيت جميع الذخائر والاعتبارات الفنية في سبيل تحقيق الشهوات الدينية؛ ولم يأت القرن الثامن عشر حتى كادت آثار الإسلام كلها أن تمحى من أسبانيا؛ ولم يبق منها سوى حمراء غرناطة ومسجد قرطبة والقصر في أشبيلية ومجموعة من اللوحات والتحف والنقوش الأثرية في متاحف مدريد وقرطبة وبنبلونة وأشبيلية وغيرها.
هذه البقية الباقية من تراث الإسلام في أسبانيا يحدق الآن بها خطر داهم، ويخشى بحق أن تمتد إليها يد التدمير التي تحطم الآن كل شيء في طريقها؛ فهل تبقى الأمم الإسلامية على صمتها وجمودها حتى تقع الفاجعة ويمحى ذلك التراث العزيز تحت وابل النار والقنابل، أم يجدر بالأمم الإسلامية أن تحذو حذو مندوب بوليفيا لدى عصبة الأمم فترفع صوتها مطالبة بالعمل لإنقاذه وحمايته؟ نعتقد أن الأمم الإسلامية المختلفة تستطيع أن تبذل على يد حكوماتها من المساعي في هذا السبيل ما يكفل لفت نظر الفريقين المتحاربين في أسبانيا إلى احترام هذا التراث المقدس الذي لا يعني أمره أسبانيا وحدها، بل يعني أمره العالم العربي والإسلامي أيضاً، ويعني أمره العالم المتمدن بأسره.
ولسنا نعرف أي سبيل ستتخذ عصبة الأمم إذا استجابت لدعوة مندوب بوليفيا، وهي بلا شك سوف تحلها مكانها من الأهمية والعناية؛ وليست الوسيلة مما يهم في الواقع، وكل ما يهم هو أن يصل هذا النداء إلى حماية الآثار والذخائر الفنية إلى الفريقين المتحاربين في أسبانيا؛ وإذ لم يكن في وسع الأمم والحكومات ذات الشأن أن تساهم في هذه الدعوة بطريق مباشر، وأن تتصل في ذلك بطريق الثوار، وهم يسيطرون على أشبيلية وقرطبة وغرناطة،