إلى ذلك الخطر الداهم الذي يهدد تراث الإسلام في أسبانيا.
وهذه مأساة القصر (الكاثار) المروعة بجوار طليطلة، وقد خرب فيها حصن القصر القديم الذي يرجع معظم بنائه إلى العصر الإسلامي.
وفي الأنباء الأخيرة أيضاً أن زعماء الثورة رأوا أن يجتذبوا ولاء الجنود المغاربة وأن يثيروا حماستهم بأن يسمحوا لهم بإقامة الصلاة في جامع قرطبة الكبير الذي هو اليوم كنيسة جامعة؛ ونحن نغتبط إذ يستطيع المسلمون أن يؤدوا شعائرهم في ذلك المسجد الجامع القديم الذي هو أبدع آثار الدولة الأموية في الأندلس؛ ولكنا نخشى أن تؤدي الفوضى العسكرية في مثل هذه الظروف إلى تشويه هذا الأثر الإسلامي الخالد أو تخريبه.
والآن يزحف الثوار على مدريد ويطوقونها من الشمال والجنوب والغرب؛ وتضطرم حول العاصمة الأسبانية وفي سمائها حرب طاحنة لا يقف المتحاربون فيها عند شيء ولا يفرون شيئاً؛ وفي مدريد متحف يضم كثيراً من الآثار والنقوش الإسلامية؛ وعلى مقربة من مدريد تقع ضاحية الأسكوريال، وفيها الدير المسمى بهذا الاسم والقصر الملحق به الذي يضم المكتبة العربية الشهيرة؛ فالآن وهذه المعارك الطاحنة تدور حول مدريد بين جيوش الحكومة وجيوش الثورة، ماذا يكون مصير الأسكوريال ومصير الآثار والكتب العربية؟ هذا سؤال نردده جزعين خصوصاً بعد الذي رأينا من روعة هذه الحرب التي تجتاح في طريقها كل شيء ولا تقف عند أي اعتبار إنساني.
لقد عملت أسبانيا النصرانية في إبان غلوائها وتعصبها على تبديد معظم تراث الإسلام، وكانت يوم مصرع الأندلس، ويوم كانت لا تزال تضطرم بروح العصور الوسطى، تعتبر هذا التراث رجساً يجب أن يمحى من أرضها ومن تاريخها القومي؛ فلم تمض أعوام قلائل على سقوط غرناطة حتى أمر الكردينال كمنيس بالكتب العربية فجمعت من سائر الأنحاء وأحرقت أكداساً في أكبر ميادين غرناطة، وكان منها ألوف مؤلفة من كتب الدين والفقه والتاريخ والأدب وغيرها، ولم يستثن منها سوى ثلاثمائة من كتب الطب والرياضة وهبت لجامعة الكالا (القلعة) التي أنشأها كمنيس، وأبيد بتلك الجريمة البربرية التي ارتكبت عام ١٤٩٩ معظم تراث الأندلس الفكري.
ومع ذلك فقد بقيت من الكتب العربية في أسبانيا مجموعة كبيرة أودعت في أقبية