معاهدة الصلح والسلام؟ رأيت منف - في لمح البصر - تعج بجمهورها الحاشد. والقصر في أروع منظر. وقد اجتمع في بهو العرش العظيم الملك والرسول والكهنة والنبلاء والقواد. هؤلاء هم سادة الدنيا قد جمعهم مكان واحد. وهذا فرعون المظفر يحادث رسول الحيثيين الجبابرة في جو بالمودة عامر، أما صدر الملك فقد امتلأ احتقاراً، وترددت بأعماقه هذه العبارة:(لابد مما ليس منه بد) وأما صدر الرسول فقد بض كراهية، وتحيرت به هذه الفكرة:(صبراً حتى يموت هذا الملك القوي). ونشطت عيناي، فرأيت الوجوه والملابس والقلوب والعقول والبطون. رأيت عالمي الظاهر والباطن بغير حجاب. وتسليت زمناً بتفحص ما في البطون من طعام فاخر وشراب معتق، حتى عثرت بمعدة كاهن على بصل وثوم! وهما محرمان على الكهنة. وتساءلت ترى كيف غافل هذا الرجل الورع أقرانه ودس هذا الطعام في جوفه؟! ولمحت في ناحية من معدة أحد النبلاء دبيب المرض الذي أودى بحياتي، وكان الرجل يحاور قائداً في سرور وانشراح فقلت له في نفسي:(على الرحب والسعة!). ثم وقع بصري على الحاكم تيتي الذي اشتهر بالقسوة والبطش حتى ليوالي فرعون النصح له بالاعتدال مع رعايا إقليمه. فنظرت إليه بإمعان. وسرعان ما تكشف لي عن جسم مهزول، مريض الأعضاء، لا يفتأ يشكو مر الشكوى أسنانه ومفاصله. وكلما ألح عليه الألم تمنى لو يستطيع بتر الفاسد من جسمه. ولذلك تملكته فكرة البتر بقسوة فلا يتردد عن بتر المعوج من رعاياه بعنف لا يعرف الرحمة. وإلى جنب تيتي شاهدت الوزير مينا، ذلك الرجل العنيد الذي حارب فكرة الصلح بكل قواه، وطالما حرض على القتال، وتساءلت ترى ما سر عناد هذا الوزير الخطير؟! رأيت عقله نيراً، ولكن أمعاءه ضعيفة فتستبقي فضلات الطعام طويلاً فتلوث دمه في دورته فيذهب إلى عقله فاسداً، ويغشى نور أفكاره، حتى إذا خرجت من فمه كانت ذات شر كبير! والرجل مقتنع برأيه يراه واضحاً مستقيماً كما أرى مخه مسوداً ملوثاً! ثم دار بصري بالصدور يستقرئها خفاياها الكامنة وراء بسمات الثغور. هذا صدر ثقل عليه الملل فهمس لصاحبه:(متى العودة إلى القصر حيث السماع والقيان؟!) وهذا صدر يتوجع قائلاً: (لو مات الرجل بمرضه لكنت الآن قائداً على فرقة الرماح!) وذاك صدر يقول في جزع متسائلاً: (متى يقوم الأحمق برحلته التفتيشية فأهرع إلى زوجه الحسناء المحبوبة. . . آه. . .) وقال صدر لصاحبه من