من اجتناب هذه الحياة والابتعاد عنها، فكانت الفنون خير مكان يلجأ إليه. . . فهناك في دنيا الخيال يسبح الإنسان في عالم من صنع يده، عالم هو مبدعه وخالقه، بعيداً عن صخب الحياة وضجيجها. ولكن ما كاد يبزغ فجر القرن الجديد حتى تبين للناس أن الفنون ما عادت تصلح لأن تكون ملجأ الإنسان إلى الأبد، وزاد إيمانهم بهذا عند نشوب حرب جنوب أفريقيا واستعداد ألمانيا للحرب بشكل لم يسبق له مثيل من قبل. عند ذلك أدرك الناس أن الوقت قد حان كي يتركوا عالم الخيال جانباً ويعودوا إلى الحياة ومواجهتها
وقامت في ذلك الوقت مدارس عديدة تدعو إلى مبادئ متباينة. فقامت مدرسة ريارد كبلنج، ومدرسة برناردشو، وهـ. ج. ويلز، ثم مدرسة ج. ك. تشسترتون. وكان هم كل واحدة منها نقد مبادئ المدرستين الأخريين ودعوة الناس إلى اعتناق مبادئها هي، حتى قامت الحرب العظمى التي إن دلت على شيء فإنما تدل على أن الأفكار والمبادئ التي كانت تسيطر على عقول البشر في ذلك الوقت خاطئة تحتاج إلى التعديل أو التغيير، وعلى هذا الأساس قامت مدارس أخرى، وعلى رأس هذه المدارس قامت مدرسة لورنس
وبرغم أن لورنس في نظر بعض ضيقي العقول لا يعدو كونه كاتباً مفحشاً أو رساماً لا خلاق له، إلا أنه يعتبر في رأي أئمة المفكرين نابغة عصره. فقد بذ معاصريه الكتاب في عالم الروايات الطويلة والقصص القصيرة والروايات المسرحية، كما فاق غيره من الرسامين بلوحاته الفنية، وظهر على الموسيقيين بمقطوعاته التي وضعها بنفسه. وكان يحدوه في ذلك كله أمل واحد وغرض واحد: هو القضاء على هذه الحياة التي غلبها التكلف وساد فيها التصنع حتى صارت حياة ملق ورياء، فكان همه أن يهدم هذه الحياة من أساسها ليقيم على أنقاضها حياة جديدة
ولما كان هذا هو غرضه وجب عليه أن يكون صريحاً إلى أقصى حدود الصراحة، وأن يتوخى الصدق في كل ما يقوله، لا يهمه في ذلك نوع الموضوع الذي يعالجه ولا رأي الناس فيما يقوله، فلا يجد فارقاً بين أن يكتب في موضوع العلاقة الجنسية وبين أن يكتب في موضوع مناجم الفحم أو ما إلى ذلك من الموضوعات العادية. وهم يعيبون على لورنس صراحته وصدقه وأنه يحاول أن يخدع نفسه ويخدع الناس كما يفعل غيره من الكتاب. يعيبون عليه لغته وجرأته في التعبير وهم يعلمون أنهم يستعملون نفس اللغة في أحاديثهم