في منتدياتهم الخاصة، ويعيبون عليه الموضوعات التي يعلجها وهي لم تخرج عما يفعله الإنسان منذ الخليقة حتى يومنا هذا
ولما كان لورنس صريحاً لا يعرف للمداراة معنى فقد حذر الناس من تيار المدنية الحديثة الذي يجرفهم إلى هاوية الدمار وهم لا يشعرون. فهذه المدنية الحديثة وليدة العقل والتفكير قد قامت على حساب كبت الغرائز الإنسانية. فبعد أن كان الإنسان وحدة كاملة بعقله وجسمه انفصل الاثنان، ثم تغلب العقل حتى أصبح الجسم مسجوناً لا يستطيع التنفيس عن رغباته؛ فيرمي لورنس من كتاباته أن يفك قيود الجسم ويطلق سراحه كي يستعيد الفرد كليته الأولى. ولما كانت العلاقة الجنسية وتنظيمها هي التي تكفل للإنسان الوصول إلى هذا الغرض فقد اهتم بها لورنس وعالجها في معظم كتبه
ولورنس من ذلك الصنف من الكتاب الذي يخلق في قرائه الذوق الذي يعينهم على فهم كتبه واستساغتها، وهذا في حد ذاته يحتاج إلى وقت ليس بالقصير. ونلاحظ على كتب لورنس أنها سهلة القراءة صعبة الفهم، وهذا سر خلودها. فلورنس يعتقد أن الكتاب خالد ما دام يسبر غوره أحد. وكثيراً ما يقرن اسم لورنس باسم جيمس جويس أو فيرجينيا ولف أو بروست أو غيرهم من رواد المدارس الحديثة في الأدب. والحقيقة أن لورنس يختلف عنهم اختلافاً بيناً، فكتب هؤلاء صعبة القراءة في أول الأمر سهلة الفهم بعد ذلك، لأن صعوبتها هي في لغتها الجديدة وتعبيراتها غير المألوفة في حين أن موضوعاتها لم تخرج عن المطروق المألوف. وأما لورنس فعلى العكس من ذلك، فهو يكتب في لغة مفهومة مألوفة، ولكن شخصيات رواياته وحوادثها وموضوعاتها أبعد ما تكون عن المألوف، وكلها ترمي إلى غرض واحد هو شق طريق جديد في الحياة
وكان من يجرؤ على قول الصدق بين قوم ألفوا الكذب وتعودوه يحاكم محاكمة صورية تنتهي بحرقه أو بزجه في أعماق السجون. أما في عصرنا هذا عصر المدنية الحديثة و (حرية القول) فتقوم الصحافة مقام محاكم التفتيش القديمة؛ فإذا لم يعجبها كاتب بأن كان صريحاً أو مخلصاً فيما يقول قامت تشوه اسمه وتسيء إلى سمعته حتى تنفر الناس منه وتبغضه إليهم. وهذا ما فعلته الصحف المغرضة بكاتبنا، وساعدها على ذلك ميل الناس في عصرنا هذا إلى تصديق كل ما يقال دون أن يكلفوا أنفسهم مؤونة بحث هذه الآراء