الدافعة، بل وزادت على ذلك وأدت إلى اختراع السلاح الآلي السريع الطلقات الذي طفر بمقدرة الدفاع إلى الأمام طفرات هائلة. فمنذ قرن مضى وقف ولنجتون أمام وترلو يصد هجمات نابليون العنيفة، وقد رص رجاله رصا، وتعلق مصير أوربا بمقدرته على وقف جيوش الإمبراطور، حتى يلحق به بلوخر، لحظات معدودات أطلقت خلالها الكتائب البريطانية النيران بمعدل ألفي رصاصة في الدقيقة الواحدة لكل كتيبة (أورطه)، ولو كان الزمان انتقل فجأة بولنجتون إلى عهد السلاح الآلي، لأمكنه استبدال كل كتيبة من كتائبه برجالها وبنادقها وقائدها وضباطها بثلاثة جنود خلف ثلاثة رشاشات، ليحصد نابليون حصداَ ويشتته تشتيتاَ
هذا في حين أن الهجوم ظليعتمد على الطاقتين: البشرية والحيوانية. وكانت تعبئة الجيوش تتم حقيقة بقوة البخار على خطوط الحديد، ولكنه أثناء تلك اللحظات الحاسمة التي ترفرف على الميدان خلال القتال، ظلت الحركة هي هي كما كانت أيام هنيبال: أدواتها أقدم بني الإنسان على الدوام، تعاونها ظهور الجياد في بعض الأحيان
زادت إذن قوة الدفاع أضعاف الأضعاف، فكانت النتيجة الحتمية شل كل هجوم، وتثبيت الخطوط، وتحويل الحروب من ميدان البراعة والفن، إلى التطاحن المنهك الممل، والحصر الاقتصادي الطويل
لم تعد المعركة موضع حسم النزاع ولا الجنود هي العامل الفعال، بل انتقل الزمام إلى مقدرة المدنيين على الاحتمال ومهارة ربات المنازل في الاقتصاد من مستلزمات الحياة - كان سيأتي الوقت الذي يحل فيه التدبير المنزلي محل التدريب العسكري، وتكتفي الدول بخطوط (ماجينوية) أو (سجفريدية) مجهزة بالمقاعد الوثيرة ولوحات التليفزيون، يضطجع بداخلها الجندي في دعة وتراخ، فإذا لمع مصباح من المصابيح وجه الرجل عينيه إلى شاشة مخصوصة، ثم ضغط على زر معلوم، فتنطلق من أعلى الحصن عدة طلقات، يكون فيها إسكات المهاجمين وعودة المدافعين إلى النوم الهنيء والسبات العميق؟
ذاك ما تخيلته بعض العقول العسكرية وخاصة الفرنسية منها فأقامت خط ماجينو، ولكن هناك آخرون كان في التفكير مذهب جد مختلف، فقد احتفظوا في ذاكرتهم ببعض تفاصيل الحرب الماضية، من تلك التي كان لها تأثيرات شديدة، ولو أنها لم تكن نسبياَ إلا نتائج