محدودة لمجهود محدود، حده أول مرة قلة الأدوات وصغر المكان، وفي الأخرى تخلف الزمان عن التفتح لاستثمار عبقرية ظهرت قبل الأوان
أول هذين الحدثين استعمال الطاقة الميكانيكية في ميدان المعركة، عند ما هجم البريطانيون في نوفمبر ١٩١٧ ببضع عشرة دبابة، فانكسر الخط الألماني؛ دهشة الإنجليز أنقسم أنفسهم وعدم وجود الاحتياطي الكافي عاقاهم عن استغلال ذلك النجاح المباغت
وثانيهما تفتحت عنه عبقرية لودندرف من طرائق للهجوم جديدة - وهو من أبناء المدرسة الألمانية المتشبعة بروح الهجوم - والهجوم الناجح يتطلب المناورة والالتفاف وكما ذكرنا آنفا: لم يكن هناك أجناب، فما العمل إذن؟ أيستسلم لودندرف ويرضى بالحال؟ كلا فهذا من المحال. إنه يريد الهجوم، يريد إحراز نتيجة إيجابية بأي ثمن كان، إذن. . . فلتخلق لجيوش الأعداء أجناب!. . . يبتكر لودندرف وينفذ نظريته الجديدة: نظرية التسلل؛ وهي إرسال بعض الجنود يتسللون مواطن الضعف في خطوط الأعداء حتى إذا وجدوها تسللوا خلالها وأحدثوا بها ثغرة أو ثغرات، فيها يجري الحشد الجديد، ومنها يكون الالتفاف والتطويق والهجوم وحسم النزاع
صادف لودندرف بعض النجاح، ولكن حركات الجنود في الميدان بطيئة، فيتنبه لها الدفاع قبل الاستفحال؛ ويسارع إليها بالنيران يصلها وبالفتك الذريع يرميها، فتنبطح للتستر وتعود إلى الثبات، أو ربما تذعر وتولى، فتكون الهزيمة والفرار ويجلس القائد الألماني بعد الحرب بسنين، وفي قلبه حسرة وبقلمه رعشة، ويقرر حزيناَ كئيبا:(إن مناوراتي الأستراتيكية خذلتها نقائض التكتيك)
ولكن نظرياته لا تنسى ولا تزول، بل تنزوي حية في بعض العقول، حتى يخلق لها الجو الملائم فتعود إلى الظهور؛ وتنشر هنا وهناك بعض المؤلفات تهيئ لها الجو، إن عفواَ وأن قصداَ، أهمها (نحو الجيوش المحترفة) للجنرال ديجول عام ١٩٣٤، ثم (حرب الدبابات) للجنرال إيمنزبرج النمسوي. وأخيراَ كتاب جودريان الفذ:(حذار!. . . إنها الدراعات) عام ١٩٣٨
تنبهت القيادة الألمانية لمميزات الدبابات، ورأت أنها هي، وهي وحدها، الكفيلة بمضاعفة سرعة الجيوش في ميادين القتال، بل وإلى جعلها قادرة على إدماج الضرب مع الحركة،