نظم القصيدة المطلوبة، أليس صاحبنا شاعراً قديراً، وخالقاً عبقرياً! أليس مالكاً لزمام البيان! فلماذا يترك هذا الزمام يفلت من يده لحظة واحدة؟!
إنه لن يأتي بما لم تأت به الأوائل، ولكنه سيحاول أن يأتي بكل ما أتى به الأوائل. ها هو الآن يتأهب للنظم، وبينا يفكر في المطلع إذا بأحدهم يطرق الباب فيستقبله:
- أهلاً وسهلاً. . تفضل. .
- شكراً
- هل فرغت من نظم القصيدة؟
- أكاد. .
- كم بيتاً باقياً لتكون القصيدة كاملة؟
- شيء يسير!
وينظر الزائر في الأوراق التي أمام صاحبنا ثم يقول:
- أنت لم تكتب شيئاً مطلقاً! فما لك تزعم أنك موشك على التمام!؟
- إن القصيدة كلها شيء يسير
- إذا كنت تعني أن نظم القصيدة شيء يسير عليك فلتكن قصيدة عصماء!
- وهل يأتي مثلي بغير العصماوات؟!
وابتدأ ينظم كالآلة، وهو مقطب الوجه، متصبب العرق. . وأقسم وأنا واثق من صدق يميني أن أول خاطر جال بفكره هو الخاطر:(ترى ماذا تكون النتيجة لو لم أفرغ من نظم القصيدة المنتظرة في الوقت المحدد. . يا للخجل. . . يا للورطة. . . لعنة الله على الشعر!).
هذا الكلام هو الذي جال حقيقة برأس الشاعر القرودي، وأما الكذب فهو ما يعالج نظمه. . . وأخيراً فرغ من منظومته في الميعاد المحدد. وتنفس الصعداء!
وصفق له الجهل تصفيقاً طويلاً. . وصفعه الفن صفعة واحدة تلاشى في صداها صدى التصفيق الطويل.