للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

جهد بالغ. . .

وفي قازان قابل تلك الفتاة التي عرفها منذ نحو خمسة أعوام صديقة لأخته ماري وأحس يومها بميل شديد نحوها وهي زنايدا مولستفوف، ولقد أحس أنه على الرغم من تلك الأعوام الخمسة لم يزل بها متعلقا. قال في يومياته بعد ذلك بشهرين (لم أفه بكلمة من كلمات الحب، ومع ذلك فقد كنت واثقا أنها كانت تدرك مشاعري، ولئن كانت بادلتني إياها فذلك لأنها كانت تفهمني. . كانت صلاتي بزنايدا يوم ذاك لا تعدو تلك المرحلة البريئة، مرحلة انجذاب روحين كل منهما نحو الأخرى؛ أيداخلك الشك في أني أحبك يا زنايدا، إن كان ذلك فإني أسألك الصفح فإن الخطأ خطأي إذ كان على أن أؤكد لك ذلك بكلمة. . أتذكرين حديقة كبير القساوسة يا زنايدا وممرها الجانبي؟ كان على أثلة لساني ما أفصح به عما في نفس كما كان على لسانك، ولكن كان عليَّ أن أكون أنا الباديء؛ أتدرين لماذا فكرت ثم لم أقل شيئا؟ ذلك لأنني كنت من السعادة بحيث لم يبق ما أرغب فيه، وخشيت أن أفسد لا هناءتي وحدي بل هناءتنا. . وسيبقى هذا اللقاء أعز ذكرى إلى نفسي حتى نهاية حياتي).

غادر ليو قازان إلى القوقاز مستمتعاً بصحبة أخيه، مبتهج النفس بما تركه فيها لقاء زنايدا، مرتاحا إلى ما يهجس في خاطره من أنه انطلق من حياة العبث انطلاقا لا رجعة فيه؛ ويجد القارئ وصفا لهذه الحال النفسية في شخصية أولينين بطل قصة (القوزاق) التي كتبها بعد ذلك بقليل، وكان أولينين كذلك مسافراً قال (في مثل هذه الحال العقلية السعيدة التي يحدث فيها نفسه فجأة شاب يستشعر أخطاءه الماضية قائلا إن ذلك لم يكن حقيقياً، فكل ما حدث في الماضي كان عرضا عديم الأهمية، وإنه حتى ذلك الوقت لم يكن حاول محاولة جدية أن يعيش، ولكن حياة جديدة بدأت تتهيأ له أسبابها، حياة لا شيء فيها من خطأ ولا من ندم، فليس إلا السعادة. وكان من الأمور البينة أن تلك الأخطاء لن تعود بين الجبال ومساقط المياه والأخطار والشركسيات الحسان)

وجد المسير بهما جده حتى بلغا ستارى يورت في القوقاز وأقاما في خيمة أول الأمر، وأعجب ليو بمنظر الرواسي الشامخة من الجبال، وكان لا يفتأ يقلب عينيه فيها ويتأمل فيما يبعثه منظرها من رهبة في نفسه، وكتب إلى عمته تاتيانا يصف لها تلك الأطواد في نشوة وحماسة، ويشرح لها البيئة التي سوف يقضي في قراها قرابة ثلاثة أعوام؛ وإن المرء إذ

<<  <  ج:
ص:  >  >>