للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يقرأ ما جاء في قصة (الفوازاق) من وصف للجبال ليتملكه العجب من روعة وصفه، ومرد ذلك الوصف البليغ الساحر إلى معيشته سنين في سفوح هاتيك الجبال الشاهقة. . .

ولم يكد يمضي أسبوعان عليه في ستارى يورت حتى عاد إلى إحدى عاداته السيئة التي كم اعتزم أن يطلقها ألا وهي الميسر، فجلس يلعب ذات ليلة فخسر في هذه الجلسة خمسين وثمانمائة روبيل أو ما يساوي سبعة وعشرين ومائة من الجنيهات، وكدرت نفسه هذه الخسارة لا ريب، وكدرها كذلك عودته إلى هذا الذي طلب الهجرة ليتخلص منه وهو من أرذل نزعات نفسه؛ ولكن الندم عقب ذلك أخذ يتغلغل في أعماق نفسه. وآية ذلك أنه استطاع ألا يقرب الميسر بعد هذه الليلة ستة أشهر كاملة، كان يقضي فيها أوقات فراغه في الصيد والكتابة والقراءة (وتعقب حسان القوزاق).

ولفت إليه ببسالته القائد العام في تلك الجهة للجيش الروسي وذلك أثناء تطوعه ذات مرة في حملة على بعض القبائل، كانت مهمة ذلك الجيش هناك مطاردتها؛ وقد اقترح القائد أن يحلقه بالفرقة ليكون أحد رجالها؛ ووقع ذلك من نفسه موقعاً حسنا، ولعله تخيل لنفسه ما تخيله أولينين بطل قصته من البسالة والقوة، وحلم كما حلم أولينين بأن يكون قاهر القوازاق وبأن يعزى إليه وحده الفضل في تسكين القبائل الثائرة هناك.

وأرسل إلى تفليس ليمتحن هناك نوعا من الامتحان يهيئه النجاح فيه للالتحاق بالجيش، ورأى في تفليس ما يشبه الحياة في قازان فحن إلى حياة المدن بعد تلك الأشهر التي قضاها في القرى والأماكن البرية وأوشك أن يعقد النية على أن يعود أدرجه إلى موسكو، وصار يحس أنه يحيا في تلك القرى حياة أشبه ما تكون بالمنفى. . .

وظل في تفليس أياما يستمتع بمثل ما كان يستمتع به في موسكو أو في قازان، ويترقب بقلب نزوع وصبر فارغ نبأ إلحاقه بالفرقة الرابعة متطوعا فإن ذلك كفيل أن يخرجه من تردده ويجعله يركن إلى البقاء في القوقاز.

وتم له ما أراد فعاد إلى ستارى يورت، وهناك توثقت عرى الصداقة بينه وبين فتى يدعى سادو، وكانا يتعاونان في السراء والضراء ويطعمان معاً كلما واتتهما فرصة لذلك ويقتسمان المال بينهما ويتبادلان الهدايا، وقد أعجب ليو بصاحبه وما رأى من بسالته وجميل مودته وإخلاصه له ذلك الإخلاص الذي أدى به أكثر من مرة إلى أن يعرض نفسه للأخطار

<<  <  ج:
ص:  >  >>