أحدهما: أن المواد القابلة للكون والفساد محصورة في مقعر فلك القمر، لا يمكن عليها مزيد، وهي متناهية، والأنفس المفارقة للأبدان غير متناهية - أي بناء على نظرية قدم العالم عندهم - فلا نفي بها.
والثاني: أن التراب لا يقبل تدبير النفس، ما بقي تراباً، بل لا بد تمزج العناصر امتزاجاً يضاهي امتزاج النطفة. ومهما استعد البدن والمزاج لقبول النفس، استحق من المبادئ الواهبة للنفوس حدوث نفس، فيتوارد على البدن الواحد نفسان - أحدهما هي نفسه الأصلية، والأخرى هي التي استحقها حين صار من جديد بدناً ذا مزاج؛ فأن من شان العقل الفعال عندهم أن يفيض على المادة، حين تصبح ذات مزاج، نفساً مناسبة لذلك المزاج: نباتية، أو حيوانية، أو إنسانية - وبهذا بطل مذهب التناسخ. وهذا المذهب هو عين التناسخ، فأنه رجع إلى اشتغال النفس، بعد خلاصها من البدن بتدبير بدن آخر غير البدن الأول، فالمسلك الذي يدل على بطلان التناسخ، يدل على بطلان هذا المذهب).
هذا ما يريده الغزالي عن الفارابي وابن سينا، ولكنا إذا رجعنا (الشفاء) لابن سينا وجدناه يقول فيه: الفن الثالث عشر، إلهيات ص٦٣٤ ط الهند:(يجب أن يعلم أن المعاد منه ما هو مقبول من الشرع - ولا طريق إلى إثباته إلا من طريق الشريعة، وتصديق خبر النبي، وهو الذي للبدن عند البعث، وخيرات البدن وشروره معلومة لا يحتاج إلى أن تعلم، وقد بسطت الشريعة ألحقه التي آتانا بها نبياً نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله، حال السعادة والشقاوة التي بحسب البدن.
ومنه ما هو مدرك بالعقل والقياس البرهاني، وقد صدقته النبوة، وهو السعادة والشقاوة الثابتان بالقياس اللتان للأنفس، وان كانت الأوهام منا تقصر عن تصورها ألان لما نوضح من العلل
والحكماء الإلهيون رغبتهم في إصابة هذه السعادة اعظم من رغبتهم في إصابة السعادة البدنية، بل كأنهم لا يلتفون إلى تلك.
فلنعرف حال هذه السعادة، والشقاوة المضادة لها؛ فأن البدنية مفروع منها في الشرع. . .).
وورد كذلك في النجاة ص٤٧٧ ط الكردي هذا النص بلفظه وحروفه.
ومن كل هذه النصوص يظهر لنا تناقض واضح بين ما يقوله ابن سينا عن نفسه في