للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(الشفاء) و (النجاة) وما يقوله الغزالي عنه في كتابه (التهافت)، فهو يقول عن نفسه: أن البعث الجسماني ممكن وواقع؛ والغزالي يقول عنه: أن البعث الجسماني مستحيل.

وهنا يطرأ على بال الباحث المتفحص سؤال لا بد منه، هو:

هل الغزالي متقول على الفلاسفة غير أمين في نقله عنهم؟! أم أن لهذه المالية عند ابن سينا سراً خفياً يتطلب الصبر والأناة حتى يوقف على غوره ودخيلته؟ أعني: هل المسالة عنده ظاهر وباطن، ظاهر يكشفه للعامة، وباطن يحتفظ به لنفسه، ولمن يؤهلهم استعدادهم لفهمه، وعن هذا الظاهر تحدث الشفاء والنجاة، وعن هذا الباطن نقل الغزالي؟!

كلا الأمرين جد خطير، لا ينبغي أن يصار أليه عن طريق الظنون والتخمينات، افن الضنون والتخمينات لا توصل إلى العلم الصحيح وإنما ينبغي أن يصار أليه عن طريق التثبت واليقين.

قد يحتال لإزالة هذا التعارض فيقال: أن ابن سينا نفسه نزع الوثوق من كتاب (الشفاء)، ولم ير فيه معبراً عن أفكاره ومعتقداته، لب يراه معبراً عن أفكار المشائين نزعاتهم. ومتى صح ذلك لم يجدر بنا اعتبار ما ورد فيه مصوراً لأفكار ابن سينا وذلك حيث يقول في مقدمة (منطق المشرقيين):

(. . وبعد، فقد نزعت الهمة بنا إلى أن نجمع كلاماً فيما اختلف أهل البحث فيه، لا نلتفت فيه لفت عصبية أو هوى، أو عاد أو إلف، ولا نبالي من مفارقة تظهر منا لما ألفه متعلمو كتب اليونانيين إلفاً عن غفلة وقلة فهم، ولما سمع منا في كتب ألفناها للعاميين من المتفلسفة بالمشائين، الضانيين أن الله لم يهد إلا إياهم، ولم ينل رحمته سواهم!

ولما كان المشتغلون بعلم شديدي الأعتزاء إلى المشائين من اليونانيين كرهنا شق العصا ومخالفة الجمهور، فانحزنا إليهم وتعصبنا للمشائيين، إذ كانوا أولى فرقهم بالتعصب لهم، وأكملنا ما أرادوه وقصروا فيه ولم يبلغوا أربهم منه، أغضينا عما تخبطوا فيه، وجعلنا له وجهاً ومخرجاً ونحن بدخلته شاعرون، فأن جاهرنا بمخالفتهم، ففي الشيء الذي لم يمكن الصبر عليه، أما الكثير فقد غطيناه بأغطية التغافل.

فمن جملة ذلك ما كرهنا أن يقف الجهال على مخالفة ما هو عندهم من شهرة بحيث لا يشكون فيه ويشكون في النهار الواضح؛ وبعضه قد كان من الدقة بحيث نغمش عنه عقول

<<  <  ج:
ص:  >  >>