وما جمعنا هذا الكتاب - يعني فلسفة الإشراقيين - لنظهره إلا لأنفسنا، اعني الذين يقومون منا مقام أنفسنا، وأما العامة من مزاولة هذا الشان، فقد أعطيناهم في كتاب الشفاء ما هو كثير لهم وفوق حاجتهم)
وكتاب النجاة صورة مصغرة لكتاب الشفاء وتلخيص له اثبت ذلك البحث والتمحيص، قالوا وثق به من نوع الوثوق بكتاب الشفاء وفي درجته.
وأكثر من ذلك أن ابن سينا في نفس الشفاء ص٦٤٧، والانجاة ص٥٠١، صرح بان نصوص الشرع في مسالة المعاد يجب أن تتلقى بحيطة وحذر، إذ أنها تنزلت عند مستوى عقول العامة، فصورت لهم أمر المعاد بالصورة التي يستطيعون فهمها، لا بالصورة التي هو عليها في نفس الامر، استمع أليه يقول:(وكذلك يجب أن يقرر عندهم - أي يجب أن يقرر النبي عند العامة - أمر المعاد على وجه يتصورون كيفيته وتسكن أليه نفوسهم ويضرب للسعادة والشقاوة أمثالاً مما يفهمونه ويتصورنه
وأما الحق في ذلك فلا يلوح لهم منه إلا أمر مجملاً، وهو إن ذلك شيء لا عين رأته ولا آذن سمعته، وان هناك من اللذة ما هو ملك عظيم، ومن الألم ما هو عذاب عظيم).
والنص بنفس هذه الحروف وارد في الكتابين.
أضف إلى ذلك أن ابن سينا صرح في الإشارات بما يفيد أن المعاد بالروح وحده دون الجسم، قال في ص١٩٥ ط ليدن:(والعارفون والمتنزهون إذا وضع عنهم دون مقارنة البدن وانفكوا عن الشواغل، خلصوا إلى عالم القدس والسعادة، وانتعشوا بالكمال الاعلى، وحصلت لهم اللذة العليا).
وفي ص١٩٦:(وأما أليه فانهم إذا تنزهوا خلصوا من البدن إلى سعادة تليق بهم، ولعلهم لا يستغنون فيها عن جسم يكون موضعاً لتخيلات لهم، ولا يمنع أن يكون ذلك جسماً سمائياً أو ما يشبه، ولعل ذلك يقضى بهم آخر الأمر إلى الاستعداد للاتصال المسعد الذي للعارفين).
وفي ص١٩١: (فلا ينبغي لنا أن نستمع إلى من يقول: أنا لو حصلنا على حالة لا نأكل فيها ولا نشرب ولا ننكح، فأية سعادة تكون لنا؟! والذي يقول هذا، فيجب أن يبصر ويقال له: يا مسكين! لعل الحالة التي للملائكة وما فوقها الذي وأبهج وانعم من حالة الانعام، بل