كيف يمكن أن تكون لإحداهما نسبة إلى الأخرى نسبة يعتد بها؟)
بل انه صرح في (الشفاء) و (النجاة) مثل ما جاء في الإشارات. قال في النجاة ص٤٨٥:(فإذا فارقت - يعني فارقت النفس البدن - ولم يحصل معها ما تحصل به بعد الانفصال إلى التمام، وقعت في هذا النوع الشقاء الأبدي، لان أوائل الملكة العلمية إنما كانت تكتسب بالبدن لا غير، وقد فات).
وقال في ص٤٨٨:(وإن كانت مكتسبة للهيئات البدنية الردية، وليس عندها هيئة غير ذلك، ولا معنى بضاده وينافيه، فتكون لا محالة ممنوة بشوقها إلى مقتضاها، فتعذب عذاباً شديداً بفقد البدن ومقتضيات البدن من غير أن يحصل المشتاق أليه، لان آلة ذلك قد بطلت، وخلق التعلق بالبدن قد بقى).
ونفس هذا النص قد ورد في الشفاء.
من كل هذا يخلص لنا:
أولاً: إمكان اعتبار ابن سينا قائلاً بالبعث فقط، وفي هذه الدائرة يصدق نقل الغزالي عنه.
ثانياً: أن ابن سينا غير متناقض في حديثه عن البعث، ولكن له فيه ظاهر وباطن، ومن لن يفطن لهذين الجانبين فيه ظنه متناقضاً، وليس الأمر من التناقض في شيء.
ولكن ليس هذا كل ما يهم الباحث المتفحص في هذا المقام، فليست إزالة التناقض في نصوص ابن سينا المختلفة وإزالة التناقض بين حديث الغزالي عن ابن سينا وحديث ابن يسنا عن نفسه - وإن أدخلت على تاريخ الفلسفة تكميلاً كان يتطلبه - هي كل شيء في هذا المقام.
ذلك أن الغزالي لم يدع في كتابه (التهافت) أن ابن سينا منكر للبعث الجسماني وكفى، إذ لو كان الأمر كذلك لكان في إزالة التناقض على الوجه السابق - وهو نتيجة بحثنا الخاص - غناء وأي غناء، ولكن الغزالي أتضاف إلى ابن سينا مع هذه الدعوة أدلة شققها تشقيقاً وفرعها تفريعاً، فكان لا بد لتاريخ الفلسفة أن يعرف أمرين على جانب كبير من الأهمية:
أحدهما يتصل بابن سينا نفسه ليعرف التاريخ هل هذه الأدلة المعزوة إلى ابن سينا في كتاب (تهافت الفلاسفة) صحيحة النسبة أليه؟ فإنه أن صحت نسبتها أليه، جاز للتاريخ أن يقول على وجه القطع - استعداداً من هذه الأدلة وحدها - أن ابن سينا قائل استحالة البعث