وثانيهما يتصل بالغزالي، إذ قد عرض لكثير من الفق المختلفة وناقشها وساق أدلة ودعاوى غزاها إليها، وقد لا يتيسر ألان الرجوع إلى المصادر الأصلية لهذه الفرق. فهل الغزالي ثقة فيما ينقل ويروي؟ أم تتسرب إلى نقله الريب وتحوم حوله الشكوك؟ وهذا جانب هام يعنى تاريخ الفلسفة أن يقف على وجه الحق فيه.
هذه ثغرة لم أجد - فيما قرأت - من حاول صدها في تاريخ ابن سينا وتاريخ الغزالي على السواء.
ابن سينا: هل قال ما نسب أليه الغزالي من أدلة إنكار البعث الجسماني؟!
والغزالي: من أبن استقى هذه المعلومات؟!
ومما يزيد الأمر خطورة أن المسالة أم تقف عند ابن سينا والغزالي، بل جاوزتهما إلى من اخذ عن الغزالي من علماء الكلام والى من دافع عن ابن سينا، كابن رشد. فكان على علماء الكلام أن يعرفوا - قبل أن يرددوا - من أي المصادر استقى الغزالي هذه الأدلة التي يعزوها إلى ابن سينا، فهل عرفوا؟!. وكان على ابن رشد أن يعرف - قبل أن يناضل ويدافع - هل ما نسب إلى ابن سينا صحيح النسبة اليه، فهل عرف؟!.
ثغرة أدركتها أول الأمر ضيقة، ثم ما زالت تتسع أمامي حتى وصلت إلى ما رأيت. ولشعوري القوي بحاجة تاريخ الفكر الإسلامي إلى سدها، حاولت أن أسدها على أي وضع كان، فقلت معلقاً على هذه الأدلة التي يعزوها الغزالي إلى ابن سينا، وان اخرج كتاب (تهافت الفلاسفة)(هذا المثال - اعني قوله: أن الإنسان إذا تغذى بلحم إنسان. . . الخ - وغيره، نجده موجوداً في كتب الكلام لم يرجعوا إلى كتب الفلاسفة نفسها - نظراً لأني لم أجد فيما لدى من كتب الفلاسفة وقتذاك شيئاً من هذا الكلام - وإنما عولوا على هذا التصوير الذي اضطلع به الغزالي. على أني أطارد اجزم بان الغزالي في تصوير وجهة نظر الفلاسفة ما كان يقف عند الحد المنصوص عليه في كتبهم، وإنما كان يفترض افتراضات ويذكر احتمالات ويناقشها ليخلص له: إنما كل ما يمكن أن يقال على لسانهم فهو مدفوع مردود).
وظل الأمر واقفاً عند هذا الحد: ثغرة تتطلب سداً محكماً من الفولاذ، وضعت فيها لفافة من