في خطوط مستقيمة، وقال بنظريته المعروفة وفسر بها بعض الظواهر الضوئية كالانعكاس، وبالتدرج أخذ عقل الباحثين يقتنع بالشبه الذي بين سفر الضوء على متن الفضاء، وسفر الأمواج على متن الماء، حتى اهتدوا إلى إثبات أن أضواء الطيف إنما اختلفت ألوانها من الأحمر إلى البرتقالي إلى الأصفر إلى الأخضر إلى الأزرق إلى النيلي إلى البنفسجي لاختلاف في الطول بين موجاتها، واهتدوا كذلك إلى ان الضوء الواحد ذا اللون الواحد إذا ضعف أو اشتد فإنما يحدث ذلك لضعف الموجة او اشتدادها، اعني زيادة ارتفاعها وانخفاضها، او نقصهما عن مسارها المستقيم في الفضاء، وان شئت فسمِ ذلك اتساعها، اما طولها فثابت لا يتأثر ما بقي اللون على حاله، فان تغير طول الموجة تغير اللون، فاللون الأحمر أطول موجة من البنفسجي؛ ولو انك وقفت في مسار هذين اللونين وعددت موجات الأحمر التي تمر عليك في ثانية، وعددت مثال ذلك من البنفسجي لوجدت عدد موجات الأحمر أي ذبذبته أقل لطول موجتها من ذبذبة البنفسجي. وخرج العلماء من هذا كله بان الشعاعة تتعين وتتحدد بذبذبتها وبطول موجتها وبسعتها.
بعد ذلك تساءلوا عما يحمل موجة الضوء من مكان إلى مكان. موج البحر يحمله الماء. وتهز الحبل فتسير فيه موجة تبتدئ من حيث مسته يدك وتنتهي حيث ربطته من الحائط. فالحبل أو كتانه هو الذي حمل موجته. فأي مادة حملت موجة الضياء حتى أتتنا من الشمس والقمر والكواكب؟ ليست هي مادة الهواء، فإنما الهواء غلاف كقشرة البرتقالة يلف الأرض ولا يصعد إلا أميالا نحو السماء، وليست هي مادة مما نعرف من المواد، بل ان الضوء يسير في الفراغ، فإن الأنابيب المفرغة بالمعنى الذي نفهمه لا تعوق الضوء في انسيابه. ولكن الموجة طاقة متنقلة، والطاقة لابد ان يتقمصها شيء. فما هو هذا الشيء الذي عجزت حواسنا الموهوبة عن إدراكه وآلاتنا مهما دقَّت عن كشفه؟ والآلات كثيرا ما بصرت بما عميت عنه العين، وسمعت ما صمت عنه الآذان، وناءت بأثقال توافه لا تحفل بها اليد. ما هو هذا الشيء المعدوم في وجوده، الموجود في عدمه؟ ان هذا الشيء معدوم عند العقل العادي الذي لا يؤمن الا بالذي يراه، ولكنه موجود عند العقل العلمي الذي يتخذ من الآلات حواس جديدة فوق حواسه الخمس، ويتخذ من حقائق العلم وتجارب العلم وماضي العلم وحاضره ومآسيه ومفارحه دروسا وعبراً، ويتخذ من التفكير العلمي وحواره وحجاجه