واستنتاجه منطقا جديدا غير منطق الشراب والطعام والملبس والمركب. موجود عند ذلك العقل العلمي الذي لبس جناحين من ذكر للماضي عاصم من خدعاته وثقة جريئة في المستقبل لا تعرف إلا الإمكان، يطير بهما في مجاهل لا يغني فيها السمع والبصر، ومفاوز على حدود البشرية أشبه بالمعاني منها بالمباني، وبالأرواح اللطيفة منها بالأجسام الكثيفة، هذا الشيء الذي لابد أن تسير فيه موجات الضوء موجود عند ذلك العقل العلمي بالرغم من ظاهر انعدامه، منظور بالرغم من خفائه، ملموس ولو أفلتته الاصابع. وإذن فلا بد له من اسم. فأسموه الأثير. وما مادته؟ لست أدري ولا المنجِّم يدري. وما خواصه؟ لا يعرفها حتى الذي اسماه. سئل الأستاذ أوليفر لودج العالم الطبيعي المعروف عن تعريف له فقال في كلمات ثلاث: هو شيء يتموج. وان كان لابد لك من تعريف فقل انه شيء له من الخواص ما يأذن بانتقال موجات الضوء فيه على نحو ما نعرف وفقا للقوانين التي نعرف، والسرعة الهائلة التي نعهد. فمثلا نعرف ان سرعة الموجة تتوقف على كثافة المجال الذي تنطلق فيه، ونعرف ان الضوء في سيره يقطع في طرفة العين ولمحة الخاطر مسافات يصعب على خيال المرء تصويرها، فنستنتج من هاتين الحقيقتين ان الكتلة التي في سنتمتر مكعب من هذا الأثير لابد ان تكون هائلة المقدار. وبعد ان درس العلماء الوان الطيف وهو كالسلم بدرجاته السبع، أسفلها الأحمر وهو أطولها موجة وأبطأها ذبذبة، وأعلاها البنفسجي وهو أقصرها موجة وأسرعها ذبذبة أخذوا يبحثون عن موجات أسفل من الأحمر وأطول منه موجة، وعن اخرى أعلى من البنفسجي وأقصر منه موجة، فهدتهم التجارب إلى صدق ما حدسوا: إلى موجات دون الأحمر وهي الموجات التي تنتقل بها الحرارة من بين ما تنتقل، وإلى موجات فوق البنفسجي وهي موجات ذات خواص كيميائية تستخدم في التصوير الشمسي، وأمرها الآن معروف ومشهود، وكلا هذين النوعين من الاشعاع غير منظور، فالعين لا ترى الا سلَّم الطيف بدرجاته السبع.
وأحس الطبيعيون بأن شعاعات أخرى لابد موجودة فيما دون الأحمر غير التي اكتشفت، فأجرى العالم الطبيعي (هرثر) تجاربه فكشف بها عن موجات جديدة غير مرئية وجدها شبيهة بموجات الضوء والحرارة، الا انها اكثر طولا واقل ذبذبة، وسميت باسمه. وفي الناحية الاخرى في أعلى السلم اكتشفت موجات غير مرئية اخرى قليلة الطول كثيرة