الجريمة عقابها كامن في طبيعة الصفقة؛ وهذا الارتكاب يفرض على صاحب الحاجة المغامرة والإقدام. والمقامر لا يرضى عادة بالربح الطفيف ويترك حصة الأسد الموظف الذي اشترك معه في الإجرام. فإذا كان هذا الموظف ذا مكانة ونفوذ (اجتماعي أو سياسي أو مالي) تفوق حدود وظيفته كان نصيبه في النفع من الصفقة نصيب الأسد
وهكذا يتبين لنا حقيقة طالما تجاهلها الناس في معرض حديثهم عن الاعوجاج في الخدمة المدنية ومن الانحلال في القيم الأخلاقية لبعض رجال الإدارة والحكم؛ وهي أن وزر الاعوجاج في تنفيذ الأمانة الشعبية يقع قسطه على الموظف وعلى صاحب الحاجة من المواطنين. والقسط الأكبر من النفع الذي يصيبه الغالب على صغار المسؤولين الذين أساءوا استعمال الأمانة
وإلى أن يدرك المواطن أن الوزر في سوء استعمال الأمانة الحكومية يقع عليه كما يقع على الموظف المعوج - كبيراً كان أم صغيراً أم متوسطاً! - فإن دارسو القيم الأخلاقية ومحاسبة الوعي المدني لها ستظل عديمة الجدوى. ومع أن القانون يدين كلا الطرفين بالإجرام إلا أن الرأي العام يميل إلى تركيز التهمة على الموظف ويتجاهل اعوجاج المواطن، وكما أنك لا تستطيع أن تقدر القيمة الفنية للصورة الجملية إلا إذا كان لديك استعداد ثقافي معين فإنك لن تستطيع أن تقدر شناعة الانحلال الخلقي في الوظيفة الحكومية إلا إذا أشركت المواطن المعوج فيها ووفرت لنفسك ثقافة (مدنية) تعينك على إدراك الصورة الكاملة لشناعة الإجرام. وهذا ما يتطلبه الوعي المدني الصادق في المجتمع السليم