للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

للخطيئة؛ وأكثرنا تعرضاً أولئك الذين لهم نفوذ وسلطان. وقد يقدر لنا أن نعصم أنفسنا عن الحرام لولا أن طبيعة النفوذ والسلطان التي نوفرها الظروف لبعضنا تجعله عرضه للإغراء وهدفاً مستمراً له

ثم إن هناك النظرة الميكيافيلية لمسؤولية الحكم، ولمقاييس القيم الأخلاقية. وهذه النظرة لا تزال تشكل عنصراً هاماً من عناصر السلوك السياسي والإداري في كثير من المجتمعات والنظم - ديمقراطية وغير ديمقراطية - على رغم أن الجميع يرمون ماكيافيلي بالكفر والإلحاد السياسي. ونظرية ماكيافيلي تقول بأن رجل الحكم حين يوكل إليه تنفيذ مسؤولية إدارية يشعر بأنه ملوم بأن يفعل ذلك في ظروف تستوجب مراعاة نواحي الضعف والقوة في الطبيعة البشرية؛ فليس من الحكمة والصواب - في رأي ماكيافلي - أن نزن رجال الحكم بمقاييس أخلاقية مستمدة من نظريات مثالية ينقصها الاختبار العملي بطبيعة السلوك الإنساني في مادته الخام. فما دام رجل الحكم قد تولى المسؤولية ومارسها برضى الناس فلا مفر له من أن يعالج الأمور ونصب عينيه أهواء الناس وحقائق طباعهم البشرية، وهي حقائق لا تقاس في بعض الحالات بمقاييس القيم الأخلاقية الفاضلة، النظريات المثالية الرفيعة. ويرى - ماكيافيلي - أن رجل الحكم وصي على أمور الناس، فإذا واجه ضغطاً من بعض هؤلاء الناس لتنفيذ غير ما نصت عليه الشرائع والأمانة الإدارية فإنه يفعل ذلك تلبية لأهواء هؤلاء الناس أو على الأقل أهواء نفر منهم ذوي حول وقوة ونفوذ. والنفع الذي يجنيه رجل الحكم حين يحيد عن القانون المدون في أغلب الحالات أقل في ناحيتها المادية من النفع الذي يجنيه الحزب أو الوسيط أو صحاب الحاجة. وعلى ذلك فإن عواقب الاعوجاج في السلوك الحكومي تقع في أغلب الحالات على صغار رجال الإدارة لأنهم لصغرهم (في النفوذ والمكانة والدخل) أميل إلى تقبل الإغراء في صفقة يكون النصيب الأكبر من الربح فيها عائداً إلى صاحب الحاجة. وهذا الاعوجاج إذا مارسه كبار رجال الإدارة والحكم كان نفعه عليهم أعم واستفادتهم منه أعظم

ورجل الحكم الذي يفوز بحصة الأسد من سوء استعماله للأمانة الحكومية يكون عادة رجلاً نافذ المكانة مهابته تفوق أهمية الوظيفة الحكومية التي يشغلها. وصاحب الحاجة من أفراد الأمة حين يحاول أن يتغلب على الأمانة والنزاهة الحكومية يعلم أنه يرتكب نوعاً من

<<  <  ج:
ص:  >  >>