للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وزر الاعوجاج يقع على الطرفين. ومن الصعب في مثل هذه الحالات تحديد القيم الأخلاقية إذ أن فيها تقارباً بين مسؤولية الإدارة والحكم

ومن النقاط الطريفة التي أثارها أعضاء المجمع الأمريكي في معرض تحديده لمقاييس القيم الأخلاقية في المسؤولية الإدارية إشارته إلى أن هذه المقاييس تختلف باختلاف الزمان والمكان والمجموعة الإنسانية التي تنفذ فيها المسئولية الإدارية

ففي المجتمع الريفي الشرقي مثلاً تتخذ رشوة صاحب المصلحة للموظف المسؤول طابع (الهدية) والاعتراف بالجميل والود الخالص والاحترام والتقدير. وهذا النموذج من نماذج السلوك الريفي يتخذ في المدن لوناً مغايراً. فصاحب الحاجة في العاصمة حين يقدم للموظف (هدية) نقدية كانت أم غير ذلك يدرك تمام الإدراك أنه يتعمد رشوة الموظف المسؤول. فطابع هذه الرشوة لا يوحي إلى صاحب الحاجة باحترام الموظف أو الاعتراف له بالجميل والشكر والتقدير. والموظف نفسه لا يفترض هذا الاحترام. وبين هذين السلوكيين الريفي والحضري (ممثلاً في عاصمة الدولة) يوجد نموذج ثالث هو بين هذا وذاك. ففي المدن الصغرى يشترك الموظف المعوج مع صاحب الحاجة في تعيين نوع (الهدية) وكلاهما يعلل نفسه بأن هذا التعامل نوع من العادات الاجتماعية ليس طابعها ارتشاء محض أو أمانة مطلقة. وعلى ذلك فإن الصلة بين الموظف المعوج وصاحب الحاجة في هذا النموذج من السلوك المدني صلة (تجارية)

وهكذا نرى الصعوبة في تحديد مقاييس القيم الأخلاقية للوظيفة الحكومية وللوعي المدني ما دام للعوامل الاجتماعية ولنماذج السلوك صلة وثيقة بهذه المقاييس - صلة تتعارض في بعض الحالات مع النظرة الأخلاقية الصرفة

والعلاقة بين المسؤولية الحكومية والوعي المدني ذات صلة بجدل قديم العهد بالفلسفة وعلم الاجتماع. فمن قائل بأن عناصر النزاهة والأمانة في الفرد قد يقدر لها أن تظل خالية من الشوائب لولا تعكير المجتمع الفاسد لها، على اعتبار أن للمجتمع شخصية (فردية) مستقلة عن شخصية الأفراد الذين يشكلونه. ومن قائل بعكس ذلك

فالنظرية التي تعتبر الإنسان فاضلاً في فطرته معرضاً للفساد حين يتأثر بالصلات التي تفرضها عليه علاقته الأبدية بالمجتمع - هذه النظرية تتلخص فيما يلي: كلنا معرض

<<  <  ج:
ص:  >  >>