قارنوا بينهما لتضموا أيديكم على مدى التفاوت أو التوافق بين الصورتين! تلك هي الأمانة العلمية في الدراسة النقدية، كلما حاول كاتب التراجم أو دارس الشخصيات أن يسلط أضواءه على الأثر الفني مرتبطاً بحياة صاحبه!
علي طه لم يكن واحداً من أصحاب المساحيق، ولكنه كان شاعراً يريد أن يجد نفسه وأن يجد الناس؛ ومن هنا لم يكذب أبداً على المرآة. . . مرآته الصافية التي تعرضه أمام ناظرتك بسماته التي لا تكلف فيها ولا رياء! أنه يمثل الوضوح في الفن، وقيمة الوضوح في الفن هو أنه. . . هو أنه يتيح للدارسين أن يطمئنوا إلى مواقع أقلامهم كلما قطعوا مرحلة من مراحل الطريق. . . لا غموض في المقدمات يدعو إلى الشك في النتائج، ولا ضباب على سطح المنظار يحول دون الرؤية إذا التمستها العيون وليس معنى هذا أن شعر علي طه يريح دارسيه ومقوميه، كلا، فما كانت هذه الحياة العريضة ولا أقول الطويلة، ما كانت هذه الحياة في ألوانها المختلفة وطعومها المتباينة، إلا ميداناً رحيب الجنبات لفن يرهق أنفاس السائرين في فجاجة ودروبه. . . إن علي طه لم يكن طاقة محدودة تسبر غورها في بضع لمسات أو لمحات ولكنه كان طاقة تشعر بينك وبين نفسك بمداها الذي تتعدد فيه الزوايا وتكثر الأبعاد!.
هذه حياته قد خبرتها، وهذه دواوينه قد قرأتها، فهل تحسب أن هناك شيئاً من الإجهاد لملكتي الناقدة إذا ما وضعت صوره الفنية في أماكنها الدقيقة التي تتسع لها ولا تزيد؟ كلا. . . لأنها كما قلت لك واضحة في منظاري كل الوضوح، ثابتة في مقاييسي كل الثبات. ولكن الإجهاد في الإحاطة الكاملة بهذا الأفق الممتد إلى أبعد حدود النظر. . . إن الظلال والأضواء على وضوحها تتشابك لكثرتها وتتداخل، ولا بد من الاحتشاد كل الاحتشاد لتفرق بين ظل وظل وتوفق بين ضوء وضوء، وتجمع بين المؤتلف منها في مكان وبين المختلف منها في مكان آخر!. . لقد كان علي طه موزع الطاقة بين فنون شعره كما كان موزع القلب والفكر بين فنون حياته؛ فالصورة الوصفية في إطارها الحسي، والصورة الوصفية في إطارها النفسي، تلتقيان وتمتزجان في شعر المرأة وشعر الغزل والطبيعة والرثاء والقومية والمناسبة، حتى يصعب عليك أن تستخلص كل لون من ألوان هاتين الصورتين، لتضعه في خانته المحدّدة التي تقدمه إليك من وراء عنوان!