ولعل القارئ يلاحظ أنني قد فرقت بين شعر المرأة وشعر الغزل، وجعلت لكل منهما سمته الخاصة وطابعه المتميز. . . ذلك لأن هناك لونين من الشعر يجب التفرقة بينهما في هذا المجال: لون يعبر عن مكان المرأة من الشعور الإنساني عند الرجل حين يصور المشاركة الوجدانية بين عاطفتين: وهو ما أسميه بشعر الغزل. ولون يعبر عن مكان المرأة من الغريزة الإنسانية عند الرجل حين يعرض لنزوات الجسد بين طبيعتين: وهو ما أدعوه بشعر المرأة. ولكل من اللونين في شعر علي طه نصيب أي نصيب!
على مدار الأداء النفسي سأدرس هذا الشعر، وعلى أساس هذا الأداء يجب أن يدرس كل شعر عند القدامى والمحدثين. أنه في رأيي المحك الذي يظهر لك الشخصية الشعرية في ثوبها الطبيعي ويكشف لك عن الفن الشعري في معدنه الأصيل. . . ودعك من الساجدين في محراب الأداء اللفظي؛ أولئك الذين يزنون الألفاظ بضخامة هياكلها الخارجية: إنهم يذكرونني بذلك الصنف من الناس يحترم الرجل لضخامة مظهره. . . غير ملتفت إلى ضآلة مخبرة!
ولقد حدثتك في عدد مضى من (الرسالة) عن دعائم الأداء النفسي في الشعر. . . وقلت لك عنها فيما قلت: إنها تتمثل في الصدق الشعوري أولاً، وفي الصدق الفني ثانياً، وأخيراً في روافد هذين النهرين الرئيسين، ونعني بهما اللفظ والجو الموسيقي. ولا بد من رجعة إلى بعض الذي قلت بالأمس، حتى تستطيع أن تجمع بين خطوط المشكلة الكبرى وبين التطبيق عليها عن طريق الصورة أو عن طريق المثال. . .
(الصدق الشعوري) هو ذلك التجاوب بين (الوجود الخارجي) المثير للانفعال وبين (الوجود الداخلي) الذي ينصهر فيه هذا الانفعال، أو هو تلك الشرارة العاطفية التي تندلع من التقاء تيارين. أحدهما نفسي متدفق من أعماق النفس، والأخر حسي منطلق من آفاق الحياة. أو هو ذلك التوافق بين التجربة الشعورية وبين مصدر الإثارة العقلية في مجال الرصد الأمين للحركة الطائشةفي ثنايا الفكر والوجدان. . . هذا هو الصدق الشعوري وميدانه الإحساس، أما (الصدق الفني) فميدانه التعبير؛ التعبير عن دوافع هذا الإحساس تعبيراً خاصاً يبرزه في صورته التي تهز منافذ النفس قبل أن تهز منافذ السمع، وهذه هي التجربة الكبرى التي تختلف حولها القيم الفنية للشعر في معرض التفرقة بين أداء وأداء!