للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واعتليت المنصة!

ووقف التلاميذ رافعين أيديهم بالتحية، وإذ رفعت يدي أرد تحيتهم جلسوا صامتين، وبدأت قائلا:

- واجب الدرس السابق

ففهموا بذلك أني أريد أن يقف المقصرون ويلقوا إليّ بأعذارهم عن التقصير فيما كلفتهم به؛ ووقف واحد من التلاميذ كان من أكثرهم جداً وعناية بعمله، ولكنه لم يلق إليّ بأي عذر وإنما بقى ساكناً صامتاً كأنما لا يبالي

ونزلت من على المنصة وتقدمت إليه في خطى ثابتة ورفعت يدي أريد أن ألطمه، وحينئذ انبرى زميل له يقول في صوت خافت:

- لا لا يا أستاذي! إن أباه قد مات البارحة.

ونزلت يدي إلى جانبي وعدت إلى مكاني من جديد والحجرة يخيم عليها سكون، وأنفاس التلاميذ كأنها محبوسة، ونظراتهم متعلقة بي تتبعني، ففتحت كتاباً أمامي وقلت لهم من دون أن أرفع نظري إليهم:

كتاب المحاسبة صفحة ٦٥ التمرين الثاني. سوف أراه مع سابقه في الدرس القادم.

وفتحوا كتبهم في سكون وبدأت اذرع الغرفة جيئة وذهوباً ورأسي يدور، وقلبي كأن به بركاناً ثائراً

- ٢ -

ودق الجرس فخرجت من الفصل ومن المدرسة إذ كان هذا هو درسي الوحيد في هذا اليوم، وبدأت أجوب شوارع المدينة ذاهلا عن كل ما حولي إذ بدأت أعود بالذاكرة إلى الماضي وكأنما بدأت أعيش فيه كرة أخرى:

(هذا أنا طفلا في المدرسة الابتدائية أسير إليها مع الشمس كل صباح وأعود منها كل أصيل. وهذا أنا أعود من المدرسة في أصيل يوم من الأيام فلا أجد أمي: لقد انتقلت إلى الريف تبتغي فيه شفاء من مرض ألم بها. وهذا أنا أعود في أصيل كل يوم أتنسم أخبارها، فإذا جن الليل سهرت من أجلها أدعو لها وأتمنى لها طيب الأماني. وهذا أنا أقوم إلى المدرسة ذات صباح فأجد رسولا من القرية جاء يستقدم أبي، فينقلب أملي شكا طاغياً

<<  <  ج:
ص:  >  >>