فأن الأستاذ قد لخص المذهب الجديد في الأدب بأنه نزعة تغليب دين على دين، وإذا كان لهذا القول معنى فمعناه أن أدباء المذهب الجديد يريدون تغليب الديانة المسيحية على الديانة الإسلامية. فإذا لم أكن مخطئاً في هذا التفسير كان واجباً على الأستاذ أن يقيم الدليل على أن أدباء المذهب الجديد يريدون تغليب دين على دين، وقد نسى الأستاذ أن كثيراً من مظاهر الحضارة الأوربية الحديثة لا علاقة له بالمسيحية التي هي دين أكثر الأوربيين، أو لعل الأستاذ قد أراد أمراً آخر لم نفهمه. ولو رجع الأستاذ إلى العصر الذي كانت فيه النزعة الدينية المسيحية متغلبة في أوربا وهو عصر القرون الوسطى عصر التزهد والرهبنة والتقشف لعلم أن المحافظين من رجال الدين والكتاب كانوا يخشون على الدين والأخلاق من غزل العرب ومجون شعرائهم وقصصهم ومن حرية أفكارهم في المسائل الدينية والكونية، وكانوا يرمون الأدب العربي بالإباحية في الأخلاق، وكانوا يلومون الآباء الذين يرسلون أبناءهم إلى مدارس البلاد العربية كالأندلس وصقلية؛ فلم يكن عداؤهم للكتب العربية الدينية فحسب، بل كان عداؤهم لكتب الأدبية العربية والفكرية أشد. وموقف هؤلاء المحافظين من الأدب والفكر العربي كان شبيهاً بموقفهم من الأدب والفكر الإغريقي القديم. وهذه الحقيقة تنبه الأستاذ إلى أن الدولة العربية الإسلامية لم تلبث على الفطرة السليمة وعلى حالها من الأدب كما كانت في صدر الإسلام مثلا بل دخلها الترف وتفشت فيها لذائذ الحضارة وكثر المجون في أقوال الشعراء والكتاب وبقية أصناف المجون والإلحاد مخطوطة إلى عهد أن دخلت المطابع البلاد العربية الإسلامية. ولا احسب أن أهلها كانوا على فطرة يخشى عليها من تلك الكتب فأن حالة الأخلاق في عهد دخولها لم تكن أرقى مما هو موصوف في تلك الكتب إلا في أوساط محدودة معروفة بالنزاهة والعفة والاستقامة وصدق القول والعمل؛ وكان يضرب بها المثل؛ وكانت كالشامة البيضاء تنعت نفسها لوضوحها في الجلدة السوداء. ولا تنس أن البدو كانوا بطبيعتهم يكرهون الضوابط والروادع أية كانت، فسرعان ما حثتهم الحضارة ولذائذها على التحلل من روادع الدين. وقد بدأ المجون يعود إلى استفحاله بعد عهد قريب من صدر الإسلام، وبلغ أشده في الدولة العباسية، وكان مصحوباً في كثير من الأحوال بالكفر والزندقة والالحاد، وكان كل منهما في بعض الأحايين مستقلا عن الآخر، فقد كان بعض الملحدين من أشد الناس زهداً ومحافظة