قال الأستاذ (م): أنت يا بني من المجددين، فما هواك في القديم وما شأنك به؟
وما كاد العجوز (ن) يسمع هذا حتى طرف بعينيه وحدد بصره إلي وقال: أئنك لأنت هو؟ لعمري أن في عينيك لضجيجاً وكذباً وجدالاً واحتيالاً وزعماً ودعوى وكفرا وإلحاداً؛ ولعمري. . .
فقطعت عليه وقلت:(لعمرك أنهم لفي سكرتهم يعمهون)، لقد وقع التجديد في كل شيء إلا في الشيوخ أجساماً والشيوخ عقولاً؛ فهؤلاء وهؤلاء عند النهاية، وغير مستنكر من ضعفهم أن يدينوا بالماضي فإن حياتهم لا تلمس الحاضر إلا بضعف
قال العجوز: رحم الله الشيخ (ع). كان هذا يا بني رجلاً ينسخ للعلماء في زمننا القديم، وكان يأخذ عشرة قروش أجراً على الكراسة الواحدة، وهو رديء الخط، فإذا ورق لأديب ولم يعجبه خطه فكلمه في ذلك تعلق الشيخ به وطالبه بعشرين قرشاً عن الكراسة، منها عشرة للكتابة وعشرة غرامة لإهانة الكتابة. . .
نعم يا بني إن للماضي في قلوبنا مواقع ينزل فيها فيتمكن، ولكن قاعدة (اثنان واثنان أربعة) لا تعد في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل، والحقيقة بنفسها لا باسمها، وليست تحتاج النار إلى ثوب المرأة إلا في رأي المغفل
قال الأستاذ (م) وكيف ذلك؟
قال العجوز: زعموا أن مغفلاً كان يرى امرأته تضرم الحطب فتنفخ فيه حتى يشتعل، فاحتاج يوماً في بعض شأنه إلى نار ولم تكن امرأته في دارها، فجاء بالحطب وأضرم فيه وجعل ينفخ، وكان الحطب رطباً فدخن ولم يشتعل. ففكر المغفل قليلاً ثم ذهب فلبس ثوب امرأته وعاد إلى النار، وكان الحطب قد جف فلم يكد ينفخ حتى اشتعل وتضرم. فأيقن المغفل أن النار تخاف امرأته. . . وأنها لا تتضرم إلا إذا رأت ثوبها
قال الأستاذ (م): إن الكلام في القديم والجديد أصبح عندنا كفنون الحرب تبدع ما تبدع لتغيير ما لا يتغير في ذات نفسه، وعلى ما بلغت وسائل الموت في القديم والجديد فإنها لم تستطع أن تميت أحداً مرتين
لقد قرأت يا بني كثيراً فلم أر إلى الآن من آثار المجددين عندنا شيئاً ذا قيمة. ما كان من هراء وتقليد زائف فهو من عندهم، وما كان جيداً فهو كالنفائس في ملك اللص لها اعتباران