كلا أيها اللص لن تسمى مالكاً بهذا الأسلوب؛ إنما هي كلمة تسخر بها من الناس ومن الحق ومن نفسك
يقولون: العلم والفن والغريزة والشهوة والعاطفة والمرأة وحرية الفكر واستقلال الرأي ونبذ التقاليد وكسر القيود إلى آخره وإلى آخرها. . . فهذا كله حسن مقبول سائغ في الورق إن كان في مقالة أو قصة، وهو سائغ كذلك حين ينحصر في حدوده التي تصلح له من ثياب الممثلين أو من بعض النفوس التي يمثل بها القدر فصوله الساخرة أو فصوله المبكية، ولكنهم حين يخرجون هذا كله للحياة على أنه من قوتها الموجبة، ترده الحياة عليهم بالقوة السالبة، إذ لا تزال تخلق خلقها وتعمل أعمالها بهم وبغيرهم، وإذا كان في الإنسانية هذا القانون الذي يجعل الفكر المريض حين يهدم من صاحبه - يهدم في الكون بصاحبه؛ ففيها أيضاً القانون الآخر الذي يجعل الفكر الصحيح السامي حين يبني من أهله - يبني في الكون بأهله
قال العجوز (ن): زعموا أن أحد سلكي الكهرباء كان فيلسوفاً مجدداً فقال للآخر: ما أراك إلا رجعياً، إذ كنت لا تتبعني أبداً ولا تتصل بي ولا تجري في طريقتي؛ ولن تفلح أبداً إلا أن تأخذ مأخذي وتترك مذهبك إلى مذهبي. فقال له صاحبه: أيها الفيلسوف العظيم، لو أني اتبعتك لبطلنا معاً فما أذهب فيك ولا تذهب فيّ؛ وما علمتك تشتمني في رأيك إلا بما تمدحني به في رأيي
قال العجوز: وهذا هو جوابنا إذا كنا رجعيين عندهم من أجل الدين أو الفضيلة أو الحياء أو العفة إلى آخرها وإلى آخره. ونحن لا نرى هؤلاء المجددين عند التحقيق إلا ضرورات من مذاهب الحياة وشهواتها وحماقاتها تلبّست بعض العقول كما يتلبس أمثالها بعض الطباع فتزيغ بها. وللحياة في لغتها العملية مترادفات كالمترادفات اللفظية تكون الكلمتان والكلمات بمعنى واحد، فالمخرب والمخرف والمجدد بمعنى
كل مجدد يريد أن يضع في كل شيء قاعدةَ نفسه هو، فلو أطعناهم لم تبق لشيء قاعدة
قال الأستاذ (م) إن هذه الحياة الواحدة على هذه الأرض يجب أن تكون على سنتها وما تصلح به من الضبط والإحكام، والجلب لها والدفع عنها والمحافظة عليها بوسائلها الدقيقة