الموزونة المقدرة، والسهلة في عملها الصعبة في تدبيرها. فعلى نحو مما كانت الحياة في بطن الأم يجب أن نعيش في بطن الكون بحدود مرسومة وقواعد مهيأة وحيز معروف؛ وإلا بقيت حركات هذا الإنسان في معناها كحركات الجنين، يرتكض ليخرج عن قانونه. فإن استمر عمله ألقى به مسخاً مشوهاً من جسد كان يعمل في تنظيمه، أو قذف به ميتاً من جسم كان كل ما فيه يعمل لحياته وصيانته
هذا الجسم كله يشرع للجنين مادام فيه، وهذا الاجتماع كله يشرع للفرد مادام فيه؛ فكيف يكون أمرٌ من أمر إذا كان الجنين مجدداً لا يعجبه مثلاً وضع القلب ولا يرضيه عمل الأم، ولا يريد أن يكون مقيداً لأنه حر؟
أنظر إلى هذا الشرطي في هذا الشارع يضرب مقبلاً ليدبر ومدبراً ليقبل، وقد ألبسته الحكومة ثياباً يتميز بها، وهي تتكلم لغة غير لغة الثياب وكأنها تقول: أيها الناس إن ههنا الإنسان الذي هو قانون دائماً، والذي هو قوة أبداً، والذي هو سجناً حيناً، والذي هو الموت إذا اقتضى الحال
أتحسب يا بني هذا الشرطي قائماً في هذا الشارع كجدران هذه المنازل؟ كلا يا بني. إنه واقف أيضاً في الإرادة الإنسانية وفي الحس البشري وفي العاطفة الحية. فكيف لا يمحوه المجددون مع أنه في ذاته إرغام بمعنى، وإكراه بمعنى غيره، وقيد في حالة، وبلاء في حالة أخرى؟
لكنه إرغام ليقع به التيسير، وإكراه لتتطلق به الرغبة، وقيد لتتمجد به الحرية؛ وكان هو نفسه بلاءً من ناحية ليكون هو نفسه عصمةً من الناحية التي تقابلها
يا بني! كل دين صالح، وكل فضيلة كريمة، وكل خلق طيب، كل شيء من ذلك إنما هو على طريق المصالح الإنسانية كهذا الشرطي بعينه؛ فإما تخريب العالم أيها المجددون وإما تخريب مذهبكم. . . .
قال العجوز (ن): أنبحث عما نتسلط به أم نبحث عما يتسلط علينا. وهل نريد أن تكون غرائزنا أقوى منا وأشد، أو نكون نحن أشد منها وأقوى؟ هذه هي المسألة لا مسألة الجديد والقديم
فإن لم يكن هناك المثل الأعلى الذي يعظم بنا ونعظم به، فسد الحس وفسدت الحياة. وكل