أول اتجاه من نوعه في المدينة الحديثة إلى الانهيار التام. وأعقب ذلك انهيار خطوط السكك الحديدية وخراب المدن وسريان الدمار إلى كل مكان. وفي عام ١٩٢١ حل جدب عام وسرت بين الفلاحين المنتجين مجاعة كبرى دمرت المناطق الجنوبية وأجاعت الملايين من الناس.
ووسط هذه الظروف المؤلمة وضعت التصاميم لتنفيذ عملية الأعمار، ووضعت سياسة اقتصادية جديدة. وبمقتضى هذه التدابير منحت حرية لا بأس بها للمالك الفردي ولصاحب المشروع الخاص على عكس ما يتطلبه المنطق الماركسي. ولهذا لاح أن روسيا قد تخلت عن الاشتراكية وأنها أصبحت تعيش في ظروف تشبه نوعاً ما تلك الظروف التي كانت عليها الولايات المتحدة في المئات الأولى من سني تاريخها. فقد ظهرت طبقة الفلاحين المرفهين من الكولاك الذين يشبهون الفلاحين الأمريكيين الصغار وتضاعف عدد التجار المستغلين. ولكن الحزب الشيوعي لم يكن يميل إلى ترك وسائله الخاصة في سبيل السماح لروسيا أن تسير على النمط ذلك سارت عليه اليقظة الأمريكية منذ مئات السنين.
وفي عام ١٩٢٨ بدأ مجهود ضخم جبار لإعادة البلاد إلى الطريق الشيوعي في التطور الاجتماعي. فوضع مشروع الخمس سنوات وفق تصميم يروم دفع البلاد إلى الأمام لتحقيق توسع سريع في ميدان التصنيع، وعلى الأخص، وبصورة كبيرة، في مجال المصنوعات الثقيلة وإعادة تنظيم الإنتاج الزراعي حسب أسلوب الإنتاج الكبير الذي تتعهده المزارع التعاونية. وفي شهر يناير من عام ١٩٢٤ خسرت روسيا قيادة لينين البارعة، وكان خلفه ستالين صاحب يد قوية قاسية فعمل على تصنيع البلاد بالعنف ولكنه لم يصب أي تقدم رغم كل المحاولات. وما إن حل الشتاء عام ١٩٣٣ - ١٩٣٤ حتى وجدت روسيا نفسها دفعة واحدة تواجه نقصاً كبيراً في الطعام. وخلال كل هذه المراحل كانت بقية الدول في العالم مشغولة في اجتناء نظام الفائدة الخاصة، مراقبة التجربة الروسية مراقبة يمتزج فيها الفضول بعدم الثقة والتهيب. ولكن هذه التجربة كانت تتحول من حال إلى حال ومن شكل إلى شكل. فإن الضغط العنيف على المعارضة قد استمر على قوته مما اضطر كل أسلوب من أساليب المقاومة أن يعمل في الخفاء والسر، وبذلك كان الأمر ينتهي بالمعارضة المضغوط عليها إلى أن تصبح معارضة دموية. وأخذت دواعي الانفصال تأكل في قلب