النظام الجديد، وأعقب وفاة لينين صراع طاحن من أجل السلطة، بين تروتسكي الذي يعزي إلى قيادته العسكرية اللامعة النجاح الذي أحرزته الجمهورية في المعارك الدفاعية التي خاضتها عام ١٩١٩ - ١٩٢٠ وبين ستالين سكرتير الحزب الشيوعي سابقاً. إن التفاصيل الكاملة لهذا الصراع المعقد لا تزال غامضة لم يزح عنها النقاب؛ فقد كان تروتسكي موهوباً ولكنه كان مغروراً، أما ستالين فكان صلباً مستبداً برأيه. وأدى الصراع بينهما إلى تقسيم القوة الماركسية اليسارية في جميع العالم إلى جبهتين متخاصمتين.
وشوهد في روسيا نفسها الكفاح السري الذي يؤججه المعارضون من الموظفين والمستخدمين ضد ستالين في إدارته، ولكن أكثر قوى هذا الكفاح قد ضاع في وسط شديد الغموض وفشت بين الجبهات المعارضة بكل تأكيد بعض الخيانات والانشقاقات، إلا أن هناك احتمالاً يقرب من اليقين يؤيد بأن المعارضة كانت موجودة في زمان لينين، وأنها ازدادت نشاطاً وترابطاً بعد وفاته. وسلكت الحكومة الستالينية في بادئ الأمر سياسة معتدلة مع هؤلاء المعارضين لفترة من الزمن. وقد سيق إلى المحاكمة عدد من الموظفين المسؤولين معهم عدد من الفنيين البريطانيين متهمين بأنهم يعوقون عن عمد المحاولات الجارية لتصنيع روسيا. وانكشف الستار بعد عدة محاكمات متتالية عن عناصر سياسية متآمرة. ولكن حتى مقتل واحد من أقرب المقربين إلى ستالين وهو وزيره (كيرون) الذي قتل أثناء قيامه بواجبه في الكرملين في أول ديسمبر ١٩٣٤، وإلى حد هذا التاريخ كان المتهمون يساقون إلى السجن أو إلى المنفى؛ إلا أن الأمور بعد هذه الحادثة أخذت تتجهم وتزداد حلوكة. ففي ربيع ١٩٣٤ فقد ستالين زوجته في ظروف لا تزال إلى الآن غير معروفة بل وأن هناك من يظن أنها انتحرت بسبب الآلام التي قاساها الفلاحون عند تطبيق مشروع السنوات الخمس. وبعد أن نفض ستالين يديه من جميع معارضيه قتلاً وتشريداً وحبسا وجد نفسه بلا صديق حميم فراحت المحاكمات السياسية تتبع الواحدة الأخرى، وأصبح الموت هو الشيء الوحيد الذي يتبع مجرد الاتهام، وقتل القادة البولشفيك الواحد بعد الآخر، ولم يبق منهم غير اثنين أو ثلاثة. وغدا ستالين طاغية لا يعرف معنى التسامح ولا أسلوب التسويات بل كان همه مكافحة المتآمرين على حياته ومصلحته.
هذه هي الحالة التي كانت عليها روسيا عام ١٩٣٨؛ فالحياة المادية فيها - كما يقول ويلز