في كتابه تاريخ العالم - كانت تعاني الإجهاد يصاحبها نقصان تدريجي في الإنتاجين الزراعي والصناعي. وقد كان في وسع الجيش الهتلري لو وجه كل قواه منذ أول الحرب لغزو روسيا أن ينجح أكثر من نجاحه الذي حققه في الغزو الذي شنه بعد أن استنزفت القوى الألمانية وبعد أن استطاع الإنجليز والأميركيون أن يزيدوا مواردهم ويضاعفوا إنتاجهم.
ومع أن قوات الروس والحلفاء ظلت متعاونة قرابة أربع سنين إلا أن الهوة التي تفصل بين الأهداف الروسية والأهداف الأمريكية سرعان ما فصلت بين الحلفاء الغربيين وبين روسيا بمجرد انتهاء الحرب، وعاد العالم - كما حدث في كل مراحل التاريخ - لينقسم إلى معسكرين متعاديين متعارضين، وأخذت تتردد أحاديث الحرب الجديدة على الشفاه، فيكتب عن هولها المعلقون، ويتنبأ بنتائجها الباحثون والكاتبون. ولا يمكن حتى لأشد الناس تفاؤلا أن يكتم يقينه بوقوع الواقعة يوماً ما، لأن ستالين قد أعد جيشه الأحمر ليكون رسولا لمبادئ كارل ماركس، كما سبق لهتلر أن أعد جيش الرايخ ليقيم النظام الجديد. فما هي الموارد التي تمون هذا الجيش الذي أضحى بديلاً عن الثورة العمالية الكبرى؟ أو بمعنى أصح، هل روسيا قادرة على تحقيق حلم ستالين بإقامة قيصرية روسية كبرى مركزها الكرملين؟
هل تستطيع روسيا أن تثير حرباً؟ هذا هو السؤال الذي يجابهنا اليوم، وفي الإجابة عنه نقول إن خطط روسيا الحربية يجب أن تبنى على اقتصادها الصناعي في حين أن المعلومات عن هذا الاقتصاد غير متوفرة تمام التوفر. ومع ذلك فهناك عدد من الحقائق الأساسية يمكن التكهن بواسطتها. ولنبدأ أول ما نبدأ بالسكان ندرس بعد ذلك مساحة البلاد نفسها. وفي هذا المجال من الخطأ الظن بأن روسيا إقليم ضخم ذو ثروة وإمكانيات غير محدودة. فمساحة روسيا تبلغ ما مقداره (٤٥) مرة بقدر مساحة ألمانيا؛ إلا إن أكثر من نصف مساحتها غابات، وما يقارب خمسها صحراء أو شبه صحراء، ولا تتجاوز المنطقة الخصبة ثمن المساحة الحقيقية. وهذا يعني أن قابلية روسيا لإعاشة (١٨٢) مليون نفس لا تتجاوز قابلية أمريكا لإعاشة (١٤٢) نفس، ويعني أيضاًبأن الروس سيعانون دوما نقصاً في غذائهم وستبقى روسيا مدة طويلة من البلدان التي تدركها المجاعات.
ويوجد حوالي خمسة ملايين من الروس مشتتين في مناطق بعيدة تشتتاً أضاعهم في الغابات