عذابي بين أمواجه وإما أن أذهب إلى السودان مرة أخرى فأفقد روحي بين لظى الحر وقيظ الهاجرة) فقال له صاحبه في فزع:(وأولادك؟. . . أولادك يا أحمق؟) واضطرب قلب الرجل فآثر أن يبقى بين أولاده يرعى شأنهم، وهو يتشبث بالصبر والسلوان. وكان صاحبه ذا شأن ومكانة فجذبه من مشغلة التدريس إلى فراغ الديوان ليجد من وقته فراغاً للدار ومن قلبه سعة للولد.
وقضى الزوج سنة ذاق فيها غصة الحياة ومرارة الوحدة، وأحس - هو وصغاره - حرقة اليتم ولذع الضياع، واستشعر - وحده - قسوة القدر وغلظة الأيام. على حين كانت الزوجة الخائنة تعيش بين ذراعي فتى يصغرها بسنوات ويضيق بعشرتها، ويرى فيها فنوناً من الضعة والصغار، ويخشى أن تعبث به كما عبثت بزوجها من قبل؛ وما حاله بأحسن من حال زوجها يوم أن كان، ولا هو أعز عليها من أولادها. . . ثم ثارت به الشكوك وساورته الريبة!
وجلست الساقطة - ذات ليلة - إلى فتاها تطلب إليه أن يرتبطا معاً بالرباط المقدس. . . الزواج، وتلح في الطلب. ولكنه امتنع عليها وأعرض عنها!
يا لجهل الحمقاء! لقد عزب عن عقلها الفج أن المرأة الهينة هي لعبة تافهة بين يدي الرجل يلهو بها ساعة، ثم يحطمها وينبذها بالعراء؛ لا يحمل لها في نفسه إلا المهانة والاحتقار، وأن المرأة الصعبة هي في ناظريه كالطود الأشم ينحسر عنها البصر كلما اقترب منها لأنها تتراءى أمامه شامخة باسقة.
وألحت الحمقاء في الطلب فثار صاحبها ثورة قذفت بها إلى عرض الشارع وهو يقول (أفأتزوَّج هذه العاهر. . هذه الفاسقة؟)
وخرجت الخائنة إلى الشارع في ليلة ممطرة وإن أسنانها لتصطك من شدة البرد وإن جسمها لينتفض من زمهرير الشتاء وإن عبراتها لتنهمر من خيبة الرجاء وضيعة الأمل.
واقتص القدر من الزوجة الخائنة حين قذف بها إلى الشارع لا تجد العون ولا المأوى، فيا للقصاص العادل. . . يا للقصاص!