للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المرأة ضعف وفي جبلتها خور فأسلست له وانقادت فهوت. ولكن عقل الفتى كان يخزه - بين الحين والحين - وخزات عنيفة توقظ في نفسه الندم أن اقترف الجريمة الشنعاء في ساعة من ساعات الطيش الجامح، غير أنه يرى الزوجة الخائنة إلى جانبه تبسم له في رقة وتحنو عليه في عطف، فيرق لها قلبه وتتحرك في فؤاده نوازع الرحمة يشوبها الاحتقار، وتضطرب في نفسه دوافع الشفقة ممزوجة بالبغض.

أما هي فكانت تتملقه وهي ترى ثوب الرياء الذي تسربله حيناً من الزمن يتكشف أمام ناظريها عن ألوان من الضعة والسفالة والفقر. . . ولكنها كانت تتملقه وهي تحس في نفسها ألماً يتصدع له قلبها وينقد فؤادها. . . تتملقه لأنها لم تعد شيئاً سوى جيفة نتنة ملقاة على الثرى، وهي تخشى أن يقذف بها صاحبها إلى عرض الشارع.

لا عجب، فقد كان الشاب - في يوم ما - يحب الزوجة حباً يراه فالقاً كبده، ولكنه كان حب الحيوان يرنو إلى الأنثى ليقضي منها وطراً. فلما ظفر بمأربه بدأ الملل ينسرب إلى قلبه وضاق هو بحاجات المرأة وراتبه ضئيل تافه. وخانته شجاعته فلم يقو على أن يكشف لها عن خواطر عقله، فعاشا معاً زماناً.

وانطوت الأيام تمسح بيدها الرفيقة على قلب الزوج عسى أن تلتئم جراحه أو تسري عنه بعض همه، وترفقت به العناية الإلهية فتدفقت في مفاصله روح الصحة والعافية، فإذا هو - بعد أيام - في مكانه في المدرسة يجد السلوة في عمله بين كراساته ودفاتره وتلاميذه. ولكن ستراً كثيفاً من الأسى ما زال ينسدل على جبينه فيبدو كئيباً ضيق النفس لا تنفرج شفتاه - أبداً - عن ابتسامة.

وسأله صاحب له - ذات مرة - عن ما أصابه فقال: (لقد ماتت زوجتي وخلفت لي صغاراً لا أجد من يكفلهم في غيبتي وإن عملي ليرغمني على أن أقضي ساعات النهار كلها في المدرسة) فقال له صاحبه (أحقاً ما تقول؟) قال (نعم، لقد ماتت من تاريخي أنا فقط) وتراءى للصديق أن حادثة اجتاحت الزوجة وطمَّت على بشاشة الزوج في وقت معاً، فقال له في لهفة وشفقة (وكيف؟) فجلس إليه يقص القصة كلها وإن عبراته لتتدفق هتَّانة ثم قال: (وأنا الآن أضيق بالحياة فما أصبر على الوحدة ولا أستطيع أن أتزوج فأضرب أولادي باليتم والضياع. فلا معدى لي عن أحد أمرين: إما أن ألقي بنفسي في اليم فأخلص من

<<  <  ج:
ص:  >  >>