للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مرات عديدة لا لأنه يستحق الذم أو المدح مثلا فذلك مقبول، بل لأنه جاد له بالمال فمدحه ثم أبطأ قليلا في سيبه فأقذع في هجوه، غير متذكر ما طوق جيده قبل ذلك، بل لقد وصل به التنكر والجحود إلى أن جعل شعره محلا تجاريا يأخذ منه ما يلزمه إبان حاجته فهو - كما يقول صاحب الموشح - يمدح الإنسان بتحفة خالدة من رائع الشعر ثم يعرض له بعد تناسل الأيام أن يمدح محسنا آخر فيدفعه لؤمه إلى أن يعمد إلى شعره الذي قاله في الممدوح الأول فيغير ما يحتاج إلى تغير من الأسماء والألقاب ثم يسوق القصيدة برمتها إلى الممدوح الثاني، وهذه طريقة مقيتة وقع فيها المتنبي أيضا فقد مدح أبا الفضل وزير كافور الأخشيد بقصيدة:

باد هواك صبرت أم لم تصبرا

وكان منها:

صغت السوار لأي كف بشرت ... بابن الفرات وأي عبد كبرا

ولما لم يثبه أبو الفضل عليها صرفها عنه وتحول إلى ابن العميد فمدحه بها بعد أن غير كلمة ابن الفرات بابن العميد ثم أردفها بزيادة يسيرة تتضمن جانبا من أوصاف ابن العميد. . .! وإذا كان المتنبي قد وقع في ذلك مرة واحدة فقد كان البحتري غارقا في هذه العادة إلى أذنه، حتى أنه كرر هذه الجريمة الأدبية إحدى وعشرين مرة وكان الله عز وجل أراد أن يكشفه للناس على حالته، فبالرغم من تحفظ ولده أبي الغوث عن الوقوع في ما يدل على ذلك حين جمع ديوان والده فقد ذكر له قصيدتين متشابهتين في أكثر الأبيات فأنت تقرا اللامية التي مدح بها المتوكل على الله ومطلعها:

قف العيس قد أدنى خطاها كلالها ... وسل دار سعدي إن شفاك سؤالها

ثم تقرأ قصيدته التي مدح بها إبراهيم بن المدبر ومطلعها:

وقوفك في أطلالهم وسؤالها ... يريك غروب الدمع كيف انهمالها

أقول: تقرأ هاتين القصيدتين فتجدهما متوافقتين لفظا ومعنى في كثير من الأبيات. ولك أن تستنتج من هذا حكمك على ضمير البحتري الفاسد، وحرصه على ابتذاذ الأموال بما تنكره مروءة الأخلاق.

ولننظر أولا إلى علاقته بالخلفاء لنعرف إلى أي مدى سفل الوليد، فما صان عهدا ولا حفظ

<<  <  ج:
ص:  >  >>