الضرب، وأن في أعناق شيوخ الأدب حقا للناشئة من المتعلمين الذين يضربون على قالبهم ويسيرون على منوالهم، وأن هؤلاء الناشئة ليجدون في هذه الصحف والمجلات مدرسة تثقفهم وتغذيهم، ثم هم بعد قادة الأدب وهداة الأمة، فلو أنا علمنا النشء هذا النقد الذي لا يرعى صداقة ولا يأبه لوفاء كان علينا وزرهم، ووزر الأجيال بعدهم، وكانت مدرستنا التي ننشئها قاسية البرامج فاسدة الطريقة.
وقلت: ان هذه الطريقة لا تخدم الحق كما يزعم أصحابها، فلسنا نطلب منهم أن يسكتوا على باطل، وأن يغمضوا عن خطأ. بل نحمد منهم جدهم في خدمة الحق، وسهرهم في كشف الصواب، ولكنهم يسيئون إلى الحق إذا ظنوا أنه لا يؤدي الا بهجر، ولا يكشف إلا بسباب، والحق إذا عرض في أدب كان أجمل وأجدى على رواده، وإذا عرض في سفه حمل المعاند أن يصر على عناده، وحمل الخجول أن يكتم آراءه في نفسه حتى لا ينهش عرضه ولا تبتذل كرامته، فقل التأليف وضعف الإنتاج.
جال كل هذا في نفسي، ولكني خفت أن أكتب مقالتي في هذا الموضوع، وقلت إن فعلت هاجوا بك وتركوا خصومتهم لخصومتك، وتصادقوا لعداوتك، وقالوا أتلقي علينا درساً في الأدب ونحن أساتذة الأدب؟ ومن أنت وما شأنك؟ وجلسوا مني مجلس الملكين يسألون ويسفهون. وأنت ما أغناك عن هذا الموقف! وما أبعدك من هذا المأزق! فتركت هذا الموضوع وعدلت عن المشروع.
ففيم أكتب إذن؟
٢
كنت في الترام عصر يوم من هذا الأسبوع، فصاح بائع الجرائد: المقطم! البلاغ! فلم ألتفت إليه لأني كنت قرأتهما. فلم يصدق أني سمعت فصاح صيحة أنكر من الأولى، فكان موقفي منه هو موقفي، فأمعن في الصراخ وأمعنت في البرود، فما وسعه إلا أن صعد لترام ومسني بالمقطم والبلاغ، فاضطررت إلى أن أقول أني قرأتهما ليصدق أني سمعت وفهمت!
وقلت: إن هذا موضع للكتابة طريف، أدعو فيه إلى دقة الحس ورقة الشعور وظرف المعاملة، فان ذلك لو كان لأغنانا عن كثير مما نلاقي من عناء وجفاء، وما معاملاتنا الا كالآلة بلا زيت: تسير ولكن تصدِّع.