في تحريرها ليلتين طويلتين؟ أحب أن أعرف كيف يضيع الرجل الصادق في هذه البلاد؟ أحب أن أعرف كيف ينال خصمي أصواتكم بعد هذه البينات، وعلى ضوء هذه الكهرباء؟ له أن يصول ويجول كيف يشاء، ولكم أن تحكموا له أو عليه كيف شئتم، فما أملك من القدرة غير صرير القلم وهدير الوجدان. ولكن، ما الذي يستطيع أن يقول؟
أيقول: إن النظام أفضل من الاضطراب، وإن الأدب الذي يصدُر عن الحالة الأولى أفضل من الأدب الذي يصدر عن الحالة الثانية؟
آمنت وصدقّت! ولكن هل يستطيع القول بأن النظام صدر عنه أدب رفيع؟ وما حاجة الناس إلى الأدب حين يعيشون في نظام وأمان؟ وهل للآمنين أدب وهم يعيشون في غيبوبة بفضل الراحة والاطمئنان؟
الأدب حظُّنا، جماعةَ المكتوين بالدنيا والناس، وليس لسوانا غير الأحلام، أحلام الناعمين بهدآت الليل!
عنّا يصدُر قلق الفِكر وانزعاج البال، وهما مصدر يقظة الرأي والعقل. فما بال قوم يتوهمون أنهم قادرون على مساورة الشعر والخيال وهم يشاركون الأموات في الهدوء والاطمئنان؟ عنا يصدر الإحساس بالدنيا والوجود، لأننا أشقياء بالدنيا والوجود، فما بال قوم يتوهمون القدرة على اقتحام جحيم الأدب وهم بفضل نعيم النظام سعداء؟ عنا يصدر الأدب الصحيح لأننا أصحّاء، وهل يحس وخز الألم غير من يملك عناصر العافية؟
من أنتم، في عالم الفكر والعقل، أيها الوادعون في ظل الأمن المكفول برعاية القوانين؟ أنتم أشبه بالأطفال الذين يعيشون في ظلال ما ورثوا عن الآباء والأجداد، ولن تحسوا من الدنيا أكثر مما يحس هؤلاء، أما نحن فقد كتب علينا أن نعيش بحس مرهف وذوق مشبوب، بفضل البلاء بالدنيا والناس، والفرق بيننا وبينكم أبعد مما تظنون، فجرِّبوا الاطمئنان إلى الوهم الخادع إن صح للمريض بالهيام أن ينخدع بالسراب!
النظام قرار، والاضطراب حركة، والحركة أدلّ على الحياة من السكون، جعلني الله وإياكم من الأحياء!