حياة الشواطئ إفك وسفاهة وضلال، ولكن الأدب يستفيد من كل شئ، لأن مهمة الأدب هي الوصف والشرح والتعليل، وحياة الشواطئ تمدّه بوقود رائع جزيل
الشواطئ كلها مآثم، ولولا الخوف من بغي الحاسدين والحاقدين لقلت إن المآثم لا تخلو من بريق يزلزل القلوب والأذواق والعقول، ومن هذه الزلزلة تكون الرجفة التي تثير شياطين الشعر والخيال. والشواطئ المصرية لها سوابق في تاريخ الأدب العربي. وقد وقعت تلك السوابق فوق أرض مقدسة تعطر ثراها بأقدام الرسول. هل تعرفون ما أعني ومن أعني؟ عندكم عمر بن أبي ربيعة وعندكم الشريف الرضي، وهما شاعران جعلا مواسم الحج معالم صبابة ومدارج فتون
عمر بن أبي ربيعة فاجر بحسب الاصطلاح، وهيامه بزائرات مكة هيام أثيم، ولكن أشعار ذلك الفاجر صارت من ذخائر الأدب العربي. وقد شرَّقت وغرّبت حتى قهرت بعض الجامعات الأوربية على إفراد أشعاره بدرس خاص
كان يقال: ما عُصِىَ الله بشعر أكثر مم عُصِى بشعر عمر بن أبي ربيعة
وهذا حق؟ فهل تضمنون أن يرفع اسمه من مطبوعات وزارة المعارف؟ وكيف وهو من الذين ستحفظ أقدارهم في كتاب (أعلام الإسلام) بدراسة يقدمها الأستاذ عباس العقاد؟
وتسمعون في كل يوم أن مصر تحارب الخمر لأنها في طليعة الأمم الإسلامية، ولكن رجال الأدب في مصر لن يستطيعوا غض النظر عن (خمريات أبي نواس) لأن الأدب وإن فَجَر في بعض نواحيه له سلطانٌ قهار لا ينكر جبروته غير الأغبياء!
أنا أبغض الفوضى أشد البغض، وأرجو الله في كل وقت أن يحفظ عليَّ نعمة السلامة من مكايد الشياطين، ولكني أؤرخ الأدب، والمؤرخ لا يصدُق إلا إن تناسى منافعه الذاتية، ونظر في الحوادث بلا غرض، والنزاهة عن الغرض هي التي تقفني هذا الموقف الشائك فأسجل على نفسي القول بأن الأدب لا يزدهر إلا في عصور الفوضى الاجتماعية، وهو قول يعرّضني لقوارص الاغتياب والتجريح
ولكن ماذا أصنع وأنتم دعوتموني لمواجهة المنطق والعقل فوق منبر كلية الآداب بين شباب وكهول لا يلقاهم الرجل الحازم بغير الصراحة والصدق؟
أحب أن أعرف كيف يطيش السهم الذي صوبته إلى صدر الباطل بهذه الكلمات التي شقيت