أقطار الفوضى الاجتماعية، بدليل ازدهاره في القاهرة وبغداد وباريس ولندن وبرلين، على شرط أن تقع الفوضى في قوم أصحّاء، لا يُقلقهم الاضطراب، وإنما يزيدهم قوةً إلى قوة ومضاءً إلى مضاء. وما رأيكم في الشواطئ المصرية؟ ألم تسمعوا أن رجال الدين اتفقت كلمتهم على أنها من الأرجاس؟ ألم تروا حيرة شيخ الأزهر في تخليص سمعة مصر من مآثم تلك الشواطئ؟
لا جدال أن شواطئنا في الصيف تمثّل الفوضى الاجتماعية أعنف تمثيل، فهي مضطرَبٌ طويل عريض تثور حوله الآراء في الإسكندرية وبور سعيد ودمياط، ويمتدّ شرُّه حتى يصل إلى بحيرة التمساح، ثم تنتقل عدواه إلى حمامات مصر الجديدة والمعادي وحلوان
ينظر الرجل المؤمن إلى هذه الشواطئ نظرة مخطوفة، ثم يهتف: اللهم أن هذا منكَرٌ لا يرضيك! وأقول وأنا صادق أني أنظر إلى شواطئنا أحياناً بعين الغضب والمقت؛ ولكن هذه الشواطئ المُجرمة خلقت فنَّا جديداً في اللغة العربية هو (أدب الشواطئ)، وقد ألفتُ فيه كتاباً سأنشره يوم أطمئن إلى أن الجمهور يفهم أن المؤرخ غير مسئول عن حوادث التاريخ.
ويوم يُنشر هذا الكتاب ستعرفون أن مصر دانت الأدب العربي بثروة طريفة من تشريح العواطف والأهواء، وسترون الغرائب حين تعرفون أن تلك الشواطئ أنطقت رجال الدين أنفسهم بأقوال هي من عيون الأدب الرفيع
كان الأستاذ الأكبر قد اتفق مع سعادة حامد باشا الشواربي على تخصيص جزء من شاطئ الإسكندرية للنساء بلغة العصر القديم، أو السيدات بلغة العصر الحديث، وتسامع رجال الأزهر بذلك فأمطروا شيخهم الكبير وابلاً من برقيات الثناء
ثم ماذا؟ ثم أُعِدَّ الشاطئ النسوي إعداداً محتشماً وأزيلت منه القهوات المخضرَمة التي تجمع من الأشربة ما نعرف وما نجهل ثم ماذا؟ ثم ماذا؟
ثم شاع أنه حمام خاصٌّ بالعجائز فلم تقبل عليه ستٌّ ولا ستُّوته ولا بنتٌ ولا بنّوتة، ورفعت أسواره بعد يومين اثنين؟
لا تظنوني خلقتُ هذه النكتة، فما هي إلاّ واقعةٌ وقعت، ولها حواش وذيول ستعلمون أنباءها بعد حين