(خليقة وخالقا) في الإنسان شيء هو مادة وطين ووحل، لا شعور له، فضاء، وفي الإنسان شيء هو خالق مبدع، ونقاش، بهجة فنان وصلابة ومطرقة، أأدركتم هذه المقارنة؟ ألا تزال شفقتكم تذهب إلى ما في الإنسان من مادة ينبغي سحقه وحرقه في النار حتى يتطهر، وإلى كل ما يجب عليه أن يتألم بالضرورة؟
وشفقتنا هل تدرون موقعها! إنها شفقة علينا حين نقاتل شفقتكم كما نقاتل كل ظاهرة من ظواهر الضعف والجبن، وهكذا: شفقة ضد شفقة
ويرى نيتشه أن المذهب الديموقراطي علامة من علامات الانحطاط، لأنه مهما تباعدت أصوله وتبدلت مناهجه متفق مع المذهب الديني، ففي الشريعة المسيحية وفي ديانة الألم الإنساني يتمثل ما يتمثل في مذهب المساواة. . . مقت الضعيف للقوي، وجنوح قوى إلى حياة لا ألم فيها. إن المسيحية تجعل الناس متساوين أكفاء أمام الله، وتعدعهم في بسعادة كاملة في الحياة الثانية، كذلك الديموقراطية جعلت الناس متساوين أكفاء أمام الشريعة والحق، وعملت على تحقيق سعادتهم في هذه الدار، ورجت أن تخلق مجتمعا يموت فيه التفاوت ويكون أهله في الحق سواء؛ لا يتمتع أحدهم بما لا يتمتع به آخر. حيث لا أمر ولا طاعة، ولا استبداد ولا استئثار، ولا سيادة ولا عبودية، ولا غنى ولا فقر
هذا هو المثل الذي تنهض إليه الديموقراطية، ويدعو إليه أصحابها على اختلاف مللهم ونحلهم. . . كلهم يعملون على رفض كل سلطة ذاتية، ليملكوا لأنفسهم كل امتياز. وكلهم يؤمنون بأن كل فرد يقدر بل ينبغي له أن يجد سعادته الخاصة في سعادة المجتمع بأسره، وهذه السعادة الاجتماعية يمكن تحقيقها بإشفاق كل فرد على المجتمع، وبالمحبة العامة السائدة. هذه الأفكار غرست في عقول أبناء الحاضر غرسا متينا، حتى أصبح لا يقوم - في أوربا - رجال تقوى فيهم روح السلطة والزعامة. ولن تجد في عصرنا هذا من يمثل روح نابليون الذي كان ينضوي تحت لوائه الألوف، يمشي فيمشون لا يسألونه أين يمشي، وهؤلاء من بأيديهم الحكومة اليوم لا يملكون من الحكم إلا قليلا، لأن شريعة العبيد رافعة رأسها في كل مكان، فهم يستمدون الحكم من هذه الشريعة، لا يحيدون عنها ولا يجدون عنها مصرفا، فهم خادمو هذا البلد، هم الجلادون فيه، وهم منفذو القانون
وقد بحث نيتشه علاقة الرجل والمرأة، وهو يرى أن المرأة ليس لها حق المساواة مع