للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منظم من رجال الحكومة والمدرسين والطلبة يسر العين والقلب، والموسيقى تدوي فتبث ألحانها في هذا الجمال فإذا هو كله موسيقى مؤتلفة، واستقبلتنا طالبات صغيرات ينشدون أناشيد للبلاد العربية كلها، ويقدمن الأزهار إلى ضيوفهن. هنالكم اجتمعت ذكرى الماضي وصور الحاضر وأماني المستقبل، في أصوات هؤلاء الناشئات العربيات. فكان هذا ثقلا على القلب فزع منه إلى العيون يستنجد دمعها فذكرت قول البحتري:

وقفة بالعقيق نطرح ثقلاً ... من دموع بوقفة في العقيق

ورأيت أحد الأصدقاء من أدباء دمشق يغالب دمعه. وقد لقيني من بعد فقال: تبين لي أنا لم نكن وحيدين في الشجى، وأن غيرنا غلبته عبراته في هذا المقام. وما كانت هذه العبرات إلا أمشاجاً من الفرح والحزن، والألم والأمل، والحماس والعطف. وما لا يستطاع الإعراب عنه من أشجان غامضة، وعواطف مبهمة يجمعها كلها اضطراب النفس بين ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، واغتباطها وطربها بما ترى وتسمع وتتخيل.

ومررنا بين الجموع لنستأنف السير فقال لي أحد الشبان: أهذه رحلة أخرى يا أستاذ؟. قلت وعيناي أفصح من لساني: أجل! رحلة جميلة جليلة ألحقها برحلاتي الماضية.

إدلب مركز قضاء سكانها زهاء عشرة آلاف. وهي معروفة بالزيتون والقطن والبطيخ. ولكثرة الزيت بها عرفت بصناعة الصابون حتى سميت إدلب الصابون. كذلك أخبرني بعض الرفقاء من الشام.

وبعد مسيرنا عن إدلب علونا أرضاً جبلية فسرنا في حدور وصعود حتى جئنا جسر الشغور. وهو قرية كبيرة عبرنا عندها جسراً على مجرى ماء، وشرعنا نصعد بعدها جبالاً عالية مخضرة، ومازلنا صاعدين وهابطين حتى وقفنا عند أشجار باسقة ظليلة عندها مسيل ماء قليل ينصب في حوض، ويسمى قسطل العجوز. وكانت الساعة إذ ذاك اثنتي عشر وربعاً. ويقول ياقوت: القسطل بلغة أهل الشام الموضع الذي تغترف منه المياه، وهناك استقبلنا وفد من الصحفيين قدم من اللاذقية. وكثرت على طريقنا أشجار الصنوبر. وما زالت الطريق تتمعج بنا على سفوح الجبال وفي الأودية. وكلما جزنا جبلاً لقينا أعلى منه وأروع، حتى استقبلنا طريق صعود على سفح جبل شاهق، وشفا واد هائل، فلما شارفنا القمة وقفت السيارات بغتة ولما تبلغ مأمنها من القمة. قلنا ما الخطب؟ فإذا سيارة تشتعل

<<  <  ج:
ص:  >  >>