للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيها النار ليست من سيارات الركب. فزع بعضنا لهذه الوقفة في هذا المكان المخوف، ولهذا الحريق المفاجئ فنزلوا من السيارات مسرعين إلى جانب الطريق. وبينما الأستاذ المازني يتجنب هذا الخطر بعد أن نال منه الإعياء في هذا السير الشاق تقدم إليه سائل يسأله عن مطلع قصيدة لأحد الشعراء، فنال القصائد والشعراء ما نالهم من غضبة المازني.

وبعد الكلال والملال وطول السؤال بلغنا مقصدنا حرش باير. وهو حرج على قمة عالية مشرف على البحر يطلع السائر فيه على مناظر جليلة جميلة رائعة على السفح الغربي المفضى إلى الساحل، وكان هناك موعدنا للغداء في ضيافة الأديب العالم الأمير مصطفى الشهابي متصرف اللاذقية (أو متصرف جبل العلويين، واللاذقية عاصمة الجبل) وقد نعمنا بالراحة بعد التعب، والطعام بعد الجوع، وأنسنا بجماعة من التركمان يزمرون ويطبلون، وكانت جلسة فرحة مكافئة لما سبقها من تعب، وما لحقها من مسير طويل.

ومشينا بعد الغداء قليلا نطل على جمال السفوح الغربية وجلالها وروعتها ويتمنى الشعر والخيال التلبث بها. ثم ركبنا فهبطنا حتى أفضينا إلى سهل خصب يكثر فيه شجر الزيتون. ولما انتهينا إلى الساحل سايرناه شطر الجنوب حتى بلغنا بشق الأنفس المدينة التي نؤمها، وقد رددنا أسمها على الطريق في شعر المتنبي وغيره. كقول أبي الطيب، غفر الله غلوه.

لك الخير غيري رام من غيرك الغني ... وغيري بغير اللاذقية لاحق

هي الغرض الأقصى ورؤيتك المنى ... ومنزلك الدنيا وأنت الخلائق

وبلغنا المدينة قبيل الغروب فأسرع بنا النقيب إلى الفندق الذي أعد لنزولنا ولحفلة المعري فندق الكازينو، وهو مشرف على البحر، متصل بأمواجه.

وكانت حفلة أبي العلاء في فناء الفندق بعد الغروب فغص المكان بالمستمعين، وتكلم في أبي العلاء أساتذة من مصر والشام، وأنشدت قصائد تشيد بشاعر العرب الفيلسوف. ثم كان العشاء والسمر في الحديقة من دار الأمير الشهابي فنسى الضيوف هناك ما لقوا من نصب النهار. وفاتتني هذه المأدبة إلا أخبارها، إذ قعد بي الإعياء عن الخروج إليها ورحم الله ابن حمديس.

فإن أك أخرجت من جنة ... فأني أحدث أخبارها

وأصبحنا نسير في اللاذقية - وهي مدينة جميلة نظيفة يرجى لها في مستقبل البلاد العربية

<<  <  ج:
ص:  >  >>