وكان أحسن من عزاه إبراهيم بن محمد بن طلحة فقال له:(والله ما بك حاجة إلى المشي ولا أرب في السعي، وقد تقدمك عضو من أعضائك وابن من أبنائك إلى الجنة؛ وقد أبقى الله لنا منك ما كنا إليه فقراء، وعنه غير أغنياء، من علمك ورأيك نفعك الله وإيانا به. والله ولي ثوابك، والضمين بحسبك)
يا أخانا العباس! إن لك في أرزاء الرجال وخطوب الزمان أسوة وعبرة؛ وإن لك من دينك وعقلك وعلمك ما يغنيك أن تساق إليك الأسى والمواعظ. وإنا لنعرفك كبيراً أبياً عزيزاً، وإنا لنرجو أن نجدك اليوم أكبر وآبى وأعز من أن يضعضعك خطب، أو يبهظك رزء. وأنك لتعلم أن الحر الأبي يسير في هذه الحياة صابراً على لأوائها، مستكبراً على أرزائها مشى الجمل الثقال بالحمل الثقيل لا يرزح ولا يرزم ولا يعيا ولا يقف دون غايته
يا أخانا العباس! إن لك من دينك وعقلك وعلمك وأدبك ما يؤنسك بالصبر والرضا، ويوطن نفسك للحادثة وإن جلت، والخطب وإن فدح، وإن لك من إبائك وشممك ما يربأ بك أن تضيق بالرزء الشديد، وتطأطأ للنازلة الجليلة
والله يجعل هذا آخر محنك، ونهاية بلائك ويبقيك لآلك وإخوانك موفور العقل والعلم، معافى في نفسك وبدنك وأسرتك
وأما الأخ الدكتور زكي فقد صدق حين نعى على الإخوان تقاطعهم وغفلة بعضهم عن بعض. وإنَّا يا أخي زكي - ولا تؤاخذني بهذا التشبيه - لنسير من مشاغل هذه الحياة جليلها وسفسافها في مثل طريق الساقية أو مدار الساقية: حركة دائبة في مضطرَب متشابه ضيق، لو سارت فيه الدابة أبد الدهر ما خرجت منه وإن توهمت - وهي محجوبة العينين - أنها أبعدت المسير، وتناءى ما بين مبدئها ومنتهاها. ولست أدري إلام تشغلنا الشواغل عما هو أعظم من التقاء أخ بأخ، وتفقد صديق صديقاً، ومذاكرة أديب مثله؛ وفي أولئك من قضاء الحق ومتعة النفس وربح العقل وفقه الأمور، مالا نجد وإن حرصنا في هذه الحركة العاجلة التي كادت تسلب الإنسان عقله وإرادته.