من الكسل، إذا بصاحبة الدار تعلن ألي أن صديقاً يريد أن يراني. وكانت دهشتي غير قليلة حين رأيتني أصافح صديقي عيسى الذي تركته في القاهرة، وكنت احسب أن بيني وبينه أقطاراً وبحاراً. . . (عجبا ما الذي أتى بك؟) فحدثني أنه قضى أياماً في البحث عني، حتى اهتدى بعد لأي إلى مكاني. . . ولقد غادر مصر فجأة حين نصحه أصدقاؤه أن يلتمس علاجا في هذه البلاد لتلك الحال القاسية التي لم يعد يطيقها. . ذلك ان المسكين قد زاد وزنه، واكتسى اللحم والشحم طبقات بعضها فوق بعض.
فقلت له حييت أيها الصديق، وأيا كانت الدوافع التي جاءت بك إلى هذه الديار، فإنها من غير شك دوافع قوية حتى تستطيع ان تحرك هذا الجسد العظيم - فمرحبا بك على كل حال. . . ولست أدري يا عيسى هل يتاح لك أن تظفر ببغيتك في هذه البلاد. إننا قد سمعنا من قبل عن معجزات الأنبياء رضوان الله عليهم الذين استطاعوا أن يبرئوا الأكمه والأبرص، وأن يحيوا الموتى بإذن الله.
ولكن لم نسمع بعد بالأنبياء الذين يستطيعون أن يجعلوا منك شابا رشيق القوام.
قال أحسبك قد نسيت أننا في زمن العلم والاختراع، وفي عصر الكهرباء والبخار. ولو انك تذكر هذا لما استكثرت على العلم الحديث هذه العملية اليسيرة التي تدعوها معجزة.
قلت حقا إن في عصرنا لمعجزات كبرى. فلقد استطاع البخار أن يحملك من غير عناء كبير، حتى أبلغك هذه الديار. ولكن قل لي بأبيك، أليس من نكد الدنيا على الحر إن مثلك لا يدفع ثمنا لنقله من مصر إلى لندن اكثر مما يدفعه مخلوق ضئيل هزيل مثلي، ولو كان في العالم إنصاف لاقتضوك الثمن أضعاف مضاعفة. فان عشرة من أمثالك على ظهر باخرة، لخليقون أن يحولوها عن مجراها فتشرق بدلا من أن تغرب، وتميل إلى أفريقية بدلا من أن تتجه نحو لندن فقال انك ما زلت في ضلالك القديم، ولم تلطف حلاوة هذه البلاد عن طبعك الحامض. . فاعلم إذن أن الأمر عكس الذي توهمت. فان أصحاب البواخر يغتبطون لوجود الركاب ذوى الوزن الثقيل، لأن هذا مما يجعل السفينة تمشي في رزانة واتزان. ولو لم يتح لهم أمثالى، لاضطروا أن يستعيضوا عنا بعدد عظيم من أكداس الرمل يجعلونها في قاع السفينة. . . والآن هلم بنا ننطلق إلى إحدى تلك الدور التي يدعونها معاهد الجمال. فقد سمعت أن في هذه المدينة منها عدداً ليس بالقليل. وأفهمت انهم يستطيعون أن يحيلوا المرء