للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلى أية صورة شاء.

عند ذلك ذكرت الليلة التي قضيتها في (الحمراء). وتناولت تلك الكراسة. وقلت لصاحبي - وأنا أحاوره - لست أدرى أيليق بنا أن نسمي تلك الدور معاهد الجمال. أو ليس الأقرب إلى الصواب أن ندعوها معاهد الدمامة؛ إذ لا يؤمها من الناس إلا من كان مثلك يحاول إصلاح ما أفسده الدهر. . وأنيلهذا السبب قد سميتها دور الإصلاح، وقد ألقت المصادفات في يدي إعلاناً عن واحدة من تلك الدور. ولست أضن عليك بأن أصحبك إليها. . .

وقفت بنا السيارة أمام دار في حي (سوهو) لا ينم ظاهرها المتواضع عن باطنها الفخم. وكان استخراج عيسى من بطن السيارة ليس بالأمر اليسير. ولقد نفحت السائق نفحه حاتمية جعلته يغص الطرف عما عانته سيارته من جهد ومن عناء. وقد علمتني التجارب أن الدراهم خير لجام للأفواه في لندن كما في سائر البلدان.

ودخلت إلى دهليز الدار أجر معي هذا الكتيب العظيم من اللحم والشحم. فأسلمنا الدهليز إلى فناء في جوانبه أرائك وكراسي، وقد طلب إلينا أن نجلس قليلا ريثما يؤذن لنا. فاخترت لعيسى من الكراسي أصلبها عوداً وأشدها مراسا. وجلسنا نتأمل فيما حولنا فرأينا فناء مفروشا بشيء كثير من الذوق وحسن اختيار للألوان، وكان يغلب فيه اللون الأزرق والأحمر، وعلى الأرض وفوق الجدران بسط وطنافس شرقية. وفي أحد الأركان موقد لم يكن به نار، بل كان مستوراً بغطاء مزخرف، وفي هذا الفناء خمسة أبواب يفضي كل منها إلى حجرات عديدة، وفي ناحية منه سلم ينتهي إلى الطوابق العليا

فقلت لصاحبي محاورا: إن اليوم لشديد الحرارة، وأراك أخذت تتصبب عرقاً. فعسى هذا الحر أن يذيب قليلاً من هذا الشحم لكي تقل نفقات (الإصلاح). . على إني لو كنت مكانك لادخرت هذا العرق إلى حين تلقي المدير الأعظم لهذه الدار. فانه سيفاجئك بامتحان عسير، لم يكن ليخطر لك ببال. علمت أنهم سيطلبون إليك أن تجلس على كرسي واطئ، وأن تضع رجلك اليسرى على اليمنى، وتلفها حولها لفا محكما، وأن تميل برأسك إلى الأمام حتى تمس به ركبتيك؟ ثم تستلقي على ظهرك من غير حراك، ويؤتي بدبابة متينة فيمرون بها على بطنك ذهاباً وإياباً. أجل، هذا وأمثاله من الأمور التي ليس لك عنها مفر. فاستبق عرقك إذن، فانك في حاجة إليه. ولا تظن أن في قولي هذا غلوا. فان الإصلاح ليس

<<  <  ج:
ص:  >  >>