وكان ميشيل ينقطع عن العمل نصف يوم عطلة في كل أسبوع وكانت الفتاة ماريا، من أجل ذلك ترهق بالعمل، وكان يرهقها أكثر، وجودها مع نادل آخر شرس الطباع، لئيم الخلق، يدعى فراري. . . كان يتعمد أن يترك لها كل عمل مجهد، على أن يستخف هو باليسير الأقل. . . وكان فراري ينقطع عن العمل أمسية واحدة كل أسبوع كما ينقطع ميشيل، وطالما كان يختار أمسيته في نفس اليوم الذي كان ينقطع فيه زميله، فكانت ماريا المسكينة توزع نفسها على جميع أنحاء الفندق، وكان بهو الطعام يتعبها أكثر من كل شيء، لاختلاف أمزجة الآكلين وكثرة طلباتهم، وضرورة مراعاة ترتيب النداءات، وإلا فالويل لماريا من هؤلاء (السياح) الإنجليز المتغطرسين الذين يغشون هذا الفندق دائما
وقد لحظ ذلك ميشيل، فكان يتعمد أن يبقى في أمسيته، دون أن يذهب لإجازته، ناسياً أن أمه العجوز الرؤوم المريضة المشفية على الموت، تنتظره ليسمر إليها، ويخفف عنها آلامها. . كان ميشيل ينسى هذا الواجب المقدس، ولكنه كان لا يلتفت إلى أن في عمله هذا تقصيراً، بل بالعكس من ذلك، كان يرى فيه إنسانية سامية، وعطفاً تحتمه عليه رجولته، على هذه الفتاة ذات الشعر الذهبي والساقين اللتين لهما ظلال جميلة من بنفسج الأبنين. . . ولم يفكر ميشيل مرة أنه فجر الحب ينبلج في قلبه، وأنها أنفاس الغرام العطرية تجذبه كالفراش إلى هذه الزهرة الحلوة الغضة. . . كلا. . . بل لم يفكر قط في أن أمه الرؤوم المريضة كانت أحوج إليه وإلى لحظات ينفقها عليها، من هذه الفتاة اللعوب الطروب ذات الفم الدقيق، ماريا التي تعمد ألا يغادر الفندق ليساعدها وليخفف عنها هذا العبء الهائل، من رفع الأطباق وجمع الأكواب، وتنضيد البهو، وتلميع الموائد. . . حتى لا يهان هذا الشعر الذهبي المغدودن الذي يرف كأنفاس الحور على صدرها الناهد وظهرها العاجي، وحتى لا ترهق الساقان الملفوفتان اللتان لهما هذا السحر الجميل المنعكس من بنفسج الأبنين!!
ولم تشكره ماريا قط، ولم تتعب تفكيرها في السبب الذي كان يصرف زميلها عن التمتع بإجازته القصيرة، وكانت كلما همت بعمل شاق من أعمال البهو، وأقبل هو مهرولا ليؤديه نيابة عنها أنغضت برأسها الذي يتخابث صغيراً في شفق الشعر الذهبي، ومضت لطيتها، تاركة لميشيل أن يقوم بكل عسير شاق من أعمال الصالة. . . ووقفت تعبث بدمية أو بباقة من الزهر، أو تصلح صورة أو تسقي أصيصاً. . . وكان الفتى مع ذاك يخالسها نظرات