للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مصرية لأنها موقوفة. . . وسائره للخواجات. فماذا ينفعك أنك مصري مستقل، وأن الوادي وادي أبيك وجدك وواديك، إذا كان الخواجة يستطيع أن يطردك من مأواك، فلا تلقي إلا بإذنه سقفاً يكنُّك، وأن يعريك فلا تجد إلا بإذنه ثوباً يسترك، وأن يسيّرك فلا تصل إلا بإذنه إلى ترام يحملك؟

ما الاستقلال وأنت محتاج إليه في كل شيئ؟ ما العزة؟ وأنت تأكل الخبز الأسود وهو يأكل لباب البر من أرض مصر؟ وأنت تسكن الكوخ المهدم وهو يملك الصرح الضخم على أرض مصر؟ وأنت تشرب الماء العكر وهو يشرب الرحيق المصفي من خير مصر؟ وأنت تمشي حافياً وهو يختال بسيارته على ثرى مصر؟ وأنت تلبس الجلباب الخلق وهو يتخذ الثياب الرقاق من قطن مصر؟ أيصير الغريب صاحب البلد، وابن مصر يصير غريباً في مصر؟ هذا فظيع! هذا (عهد المماليك) يعود بثوب جديد!

لما كنت في العراق كنت أرى بعض العراقيين يظهرون الكراهية للمدرسين السوريين، وينفسون عليهم رواتبهم التي يأخذونها، ويقولون لهم، أنتم آتون (لتقشمرونا)، ويبغضون السوري الذي يزاحمهم على مورد الكسب في التجارة، ومنبع الربح في العمل، فكنت أتألم من ذلك وأقول، ليتهم تعلموا اللطف ومحبة الغريب. فلما جئت مصر، ورأيت هذا اللطف وما جر إليه من الضعف، وحب الغريب وما أوصل إليه من الخراب عرفت أن الخير فيما يفعل العراق.

وأنا لا أدعو العرب ليكره بعضهم بعضاً، ولكن أدعو إلى شيء معقول: هو أن العرب اليوم في أقطار العربية كلها، كجيش في مصافّه، على كل فرقة أن تدفع العدو عن حماها، ولا تدع الجيش يؤتي من قبلها، ونحن نحارب (فيما نحارب) الفقر والإفلاس، فعلى كل قطر عربي ألا يدع في أبنائه فقيراً، وألاّ يترك فيه رجلا بلا عمل، وأن يمنع الغرباء عنه من مزاحمة أهله في زراعته وتجارته وصناعته، حتى إذا اشتغلوا جميعاً، وبذلوا قواهم كلها، وبقي فيه بعد ذلك فراغ لأيد غير أيديهم، وأموال غير أموالهم، استعانوا بأبناء الأقطار العربية الأخرى، ولم يفتحوا لهم الباب إلا بمقدار الحاجة، أما أن يجيء السوري ليعمل في مصر، ويجيء المصري ليشتغل في الشام، ويترك أهل البلد بلا مال ولا عمل، فتفسد البطالة أخلاقهم، ويذلّ الفقر نفوسهم، ويعلّمهم هذا وذاك كره أخيهم العربي، فليس من

<<  <  ج:
ص:  >  >>